خروج عن النص

المدينة نيوز - تعزز حادثة النائب السلفي المصري أنور البلكيمي الذي أجهز أنفه على مقعده البرلماني، إلى جانب تفاعلات انتقاد الداعية يوسف القرضاوي قبل أيام دولة الإمارات.. تعزز الحادثتان كلام القائلين إن أهمية الإصلاح الديني تكمن في أن أحد أهم أبعادها هو جعل رجال الدين أو علمائه بشرا عاديين، تسقط عنهم أي هالة تجعلهم فوق النقد أو المساءلة والمناقشة أو حتى التندر.
والمرجّح أن الداعية يوسف القرضاوي "خرج عن النص" حين هاجم في برنامج "الشريعة والحياة"، على قناة "الجزيرة"، الأحد الماضي دولة الإمارات. وتفاصيل القصة باتت معروفة للمهتمين بها، غير أن للقصة معاني ودلالات وأبعادا ينبغي أن تكون مجالا لإثارة النقاش وإثراء الحوار حول العديد من المسائل، وهو ما تحاول هذه المقالة الاقتراب منه.
فالشيخ، أحرج، على ما يبدو، القناة ودولة قطر معا، حيث لم تقم القناة بإعادة بث الحلقة في اليوم التالي كما هو معتاد، وسحبت من موقعها الإلكتروني الفقرات التي هاجم فيها الشيخ القرضاوي الإمارات. والصحف القطرية نشرت مقالات لكتّاب قطريين انتقدت حديث القرضاوي (وهي فيما أعلم سابقة مليئة بالمعاني) ودافعت عن الإمارات. وهذه الحادثة مثيرة لإعادة النقاش العلمي الهادئ حول قطر وسياستها الخارجية، وموقع قناة "الجزيرة" من كل ذلك.
وإذا كان هدف أي إصلاح ديني، كما أشرنا سابقا، أن يصبح رجال الدين أو علماؤه أناسا عاديين، يخضعون لمقارفة الخطأ والصواب، فإن هذا الإصلاح المرتجى يبيّن أيضا أن من حق رجل الدين أن يتعاطى السياسة ويتحدث بها، شرط أن يلتزم اللعبة وقواعدها، وعلى رأسها أنه إذْ ينطق بالسياسة لا يكتسب أي صفة من شأنها أن تجعل كلامه يكتسب أيّ هالة من نوعها كونه رجل دين. وحادثة الداعية القرضاوي تعيد تذكيرنا بأن المصالح، وليس الأخلاق، هي ما يحكم العالم.
دولة قطر برعت في تبني "القوة الناعمة"، وصارت هذه القوة، التي تسهم اليوم في تشكيل وإدارة العلاقات الدولية بشكل كبير، في صلب السياسة الخارجية القطرية. وقد كُتب الكثير عن أنّ "الجزيرة" هي أحدى أهم أدوات "القوة الناعمة" التي تتكئ عليها الدوحة إقليميا ودوليا. وتحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها (14 تشرين الثاني 2011) عن أن "علاقات الدوحة مع شبكة يوسف القرضاوي من الإسلاميين تشكل ركيزة من ركائز القوة الناعمة التي تمتلكها قطر".
لكنّ ثورات "الربيع العربي" وتفاعل دولة قطر الأساسي معها طرح تساؤلات حول حدود "القوة الناعمة"، والانتقال أحيانا من "دبلوماسية الوساطة" التي انتهجتها الدوحة في سياستها الخارجية منذ سنوات، إلى التدخل المنحاز والمشاركة العسكرية الواضحة في النزاعات والأحداث؛ وحالة ليبيا والكلام عن تسليح المعارضة السورية مثالان بارزان في هذا المقام.
دبلوماسية الوساطة" و"القوة الناعمة" تفترضان قدرا أقلّ من الانحياز والتدخل، لكنّ مصالح قطر مع "الربيع العربي" فرضت تحويرا ما، فرضه ما طرأ على التحالفات الإقليمية من تحولات وتغيرات وإعادة تشكيل. وقد انحازت قطر في ردّ فعلها غير المباشر على انتقادات القرضاوي للإمارات إلى تلك التحولات والتغيرات، ما أضفى عناصر جديدة في تحليل "ظاهرة القرضاوي"، حيث مصلحة قطر طغت هنا على اعتبارات "عدم تحديد" الشيخ أو إطلاق حريته من دون قيود، فاتسعت المسافة (التي لطالما كانت قريبة) بين قطر و"الجزيرة" من جهة والقرضاوي من جهة ثانية. كما اتجهت الدوحة إلى أن لا يؤثر الخلاف الشخصي بين القرضاوي والإمارات على مصالح قطر وعلاقاتها الإقليمية.
(الغد)