التيار التحرير في الاخوان المسلمين

المدينة نيوز - هناك تيار واسع ومؤثر وممتلئ ماليا في جماعة الإخوان المسلمين ينتمي إلى حزب التحرير وجماعات التكفير، وصار يعمل من خلال الجماعة محتميا بها. العقل المحرك في التفكير والفتوى لدى هذا القطاع الواسع في الإخوان المسلمين ينظر إلى المجتمع والأنظمة السياسية باعتبارها جاهلية، لا فرق بينها وبين بريطانيا أو الكونغو! وحتى المشاركة النيابية فهي تشبه المشاركة في الكنيست الإسرائيلي أو مجلس النواب الفلبيني! بل إن النظر في النصوص والتحريم والتحليل تحكمه فكرة مستحكمة، إنها فتوى للإخوان المسلمين وليست للمسلمين؛ فحرمة المشاركة تخص الإخوان وليس كل مسلم، وإباحة أعمال هي محرمة في الأصل مثل الترشيح، بل والانتخابات نفسها، هي إباحة خاصة بالإخوان متصلة بالضرورات. أتحدث بالطبع عن فئة من الإخوان المسلمين وليس جميع الإخوان المسلمين.
ويجب أن نعترف أنها فكرة مستحكمة، تحظى بتأييد واسع، بدليل الانتخابات التنظيمية والنيابية أيضا، بل إن عددا من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين مؤخرا كانوا قد جمدت عضويتهم من قبل في الجماعة لأسباب مسلكية تتعلق بالنزاهة الشخصية، ولكن ذلك لم يكن لدى الناخبين مثلبة تمنع الانتخاب، اعتقادا بأنها أخطاء لم تقع في مجتمع مسلم ولا في ظل أنظمة إسلامية.
الإخوان المسلمون يواجهون اليوم سؤالا فكريا حاسما، ويحتاج جميع المواطنين من الإخوان إجابة واضحة وحاسمة بشأنه، لأنه منشئ لفكرة أساسية عن العلاقة بالمجتمع والدولة والنظام السياسي في البلد: كيف نثق بجماعات وقيادات سياسية ونيابية ليست مؤمنة بالدستور، وتحكمها علاقة فكرية وأيديولوجية عدائية وتكفيرية بالدولة والمجتمع؟ كيف ستشارك جماعة في الحياة السياسية وكثير من قادتها وأعضائها يعتقدون أن ذلك "حرام"، حتى لو كان بناء على فتوى بأنه "جائز" فذلك أيضا يزيدنا رعبا؛ كيف سنعول على مشاركة سياسية واسعة مرتبطة بفتوى أنها حرام أو حلال وليس بالانتماء إلى البلد والناس وحق المواطنة والتشكل حول العقد الاجتماعي المنظم للحياة السياسية والقائم على ولاية الشعب، وأنه (الشعب) مصدر السلطات، والذي لا يتضمن أبدا مباركة أو حرمانا من مفتٍ؟ كيف ستدير الجماعة عملية سياسية قائمة على الانتخاب والتصويت، وفي الوقت نفسه تحكم كثيرا من قادتها وأعضائها مبادئ وأفكار لا ترى في هذا الانتخاب مرجعية حاسمة؟ كيف سننظر إلى قوانين وقرارات وتشريعات أقرها مجلس الأمة، ثم يطلع علينا نائب من الجماعة وعضو في اللجنة القانونية للمجلس يراها حراما وأنها مشمولة بقوله تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وأنه لا اجتهاد مع النص (ولكنه هو اجتهد)؟.. هذا ما حدث ويحدث حرفيا، وليست افتراضات واحتمالات.
الجماعة في مأزق، والمعتدلون في مأزق، والوطن والمواطنون أيضا في مأزق؛ فمصيرنا تؤثر فيه وربما تحكمه فتاوى وأفكار متطرفة، بل وبالغة التطرف. والواقع أن أزمتنا مع الإخوان في الأردن أكبر وأعقد بكثير من الأزمة في مصر أو تونس أو المغرب؛ فهذا التيار التكفيري غير موجود في جماعة الإخوان المسلمين في قُطر من الأقطار إلا في الأردن، فهم في مصر خرجوا من الجماعة أو أُخرجوا منها لينشئوا جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، وفي المغرب أيضا فُصلوا منها لينشئوا "الشبيبة الإسلامية"، ولكن الجماعة في الأردن لم تحسم موقفها الفكري والتنظيمي بحق هذا التيار.
(الغد)