الفضائيات «شريك» في الثورات!

المدينة نيوز - لا يحتاج الاعلام الجديد إلى رؤوس أموال أسطورية، بل يحتاج إلى المهنية الصارمة، والذكاء، والخبرة، والأهم من كل ذلك، الإيمان برسالة الإعلام، في خدمة الوطن، والدفاع عنه، و»الانحياز» له، أما مقولة الحياد، فهي نسبية، ويمكن تطبيقها فقط في إطار الفهم القائل، أن من حق الأطراف كلها أن تعبر عن وجهة نظرها بمنتهى الحرية، دون تغييب طرف، أو حرمانه من الفرص المتساوية، لكن حينما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وحياة أفراده، يصبح الحياد تآمرا على هذا المجتمع!.
الإعلام العالمي كله لم يكن محايدا حينما كان بوش الابن يحشد قواته لاحتلال بغداد، وكذا هو الحال بالنسبة لغزو أفغانستان، وحتى اليوم نرى أفلاما وثائقية ودرامية تبرز «معاناة» جنود أمريكا وبريطانيا في أفغانستان، وهم يقومون بمهمة «حماية» الحضارة الغربية، والدفاع عن «الديمقراطية» فيما هم يقتلون أبناء تلك الأرض، ويغيرون على أفراحهم، وحفلاتهم الاجتماعية، بنيرانهم «الصديقة»!.
في «حفلة» الربيع العربي لعب الإعلام دورا محفزا، وأحيانا كثيرا «صنع» الحدث كما كان بيتر آرنت في السي ان ان إبان تغطيته المثيرة لحرب الخليج، بل يمكن القول أن الشاشات الفضائية غدت شريكا كاملا في ثورات الربيع، وليست محايدة على الإطلاق، سواء كانت عربية أو أجنبية، وسواء كانت مع أو ضد هذه الثورات، ولا يمكن أن تلوم جهة ما أو دولة، حين تقف ضد هذه الثورة أو معها، لأن هناك حسابات تتعلق بالمصالح العليا، لهذه الدولة أو الجهة، وحتى لو أدنت هذا السلوك، فلا يمكن أن تلغي وجوده، والعاقل اليوم من ينتبه إلى لعبة الإعلام، وما يمكن أن تفعله، في سياق هذا الربيع العاصف، الذي لم يترك بلدا بمنأى عن تأثيره!.
أما بالنسبة لكلفة هذا الإعلام الجديد، فثمة وهم كبير مفاده أن عمل الفضائيات يحتاج إلى ملايين من الدولارات، في حين أن التجربة العملية أثبتت أن بوسعك أن تعوض عن هذه الملايين بتقنيات حديثة مبتكرة، أثبتت نجاعتها عند التطبيق، ولا يكلف أمر إنشاء فضائية مهنية فاعلة ومؤثرة إلا جزءا من المليون، إن كان الهدف تحقيق رسالة وطنية، لا شراء ذمم، وبث سموم، وفتن، في أثير الوطن!.
باختصار شديد، الأردن بحاجة لهذا الإعلام الجديد، المؤثر، والمهني، والمتطور، كي لا يكون متفرجا على الربيع، أو متأثرا به فحسب، بل ليكون صانعا له، وشريكا فيه، والعبرة هنا بمن يصنع هذا الإعلام، والذهنية التي تديره، لا بكثرة الملايين التي تراق على أعتاب مؤسسات إعلامية اثبتت أنها غير قادرة على هذه الشراكة!.
(الدستور)