اتهامات فساد بالجملة

المدينة نيوز - أحسن مجلس النواب باتخاذ قراره الشجاع بوضع حد لمهزلة إدانة المسؤولين الأردنيين بالجملة ، بحيث تختلط الأمور ويستوي النزيه بالفاسد مما يشكل خدمة جليلة للفاسدين فعلاً.
نفهم الفساد أن يكون استغلال السلطة لتحقيق منفعة شخصية مادية أو معنوية ، ولكنا لا نفهم إتهام ومحاكمة مسؤولين معروفين بنزاهتهم ، اجتهدوا واتخذوا قرارات كانت في حينها منطقية ، وتخدم المصلحة العامة من وجهة نظرهم ، ويراها البعض اليوم خاطئة بأثر رجعي.
كنا وما زلنا نطالب بالولاية العامة لمجلس الوزراء ، ومعنى ذلك أن الوزراء مفوضون باتخاذ القرارات. وكنا نلومهم إذا تأخروا أو ترددوا في اتخاذ القرارات حتى إذا فعلوا اتهمناهم بالفساد ، وأن الظروف المستقبلية تغيرت ، وكان على المسؤول أن يعرف سلفاً أن أسعار الفوسفات والبوتاس في اسواق الشرق الأقصى سوف تتضاعف وأن أرباح الشركات وأسعار أسهمها سوف ترتفع تبعاً لذلك.
في التفاوض بين الحكومة والمستثمر الأجنبي لا يستطيع طرف أن يفرض كل شروطه على الطرف الآخر ، فلا بد من تنازلات متبادلة إلى أن يلتقي الجانبان في منتصف الطريق وتعقد الصفقة.
المستثمر لا يمكن أن يشتري من الحكومة مشروعاً إذا كان من حقها أن ترفع الرسوم والضرائب على المشروع في اليوم التالي ، ومن حقه أن يشترط حماية ضريبية لفترة ما توشك الآن على الانتهاء ، ولم ينتبه لها النقاد إلا عندما انتهت أو كادت ، علمأً بأن المستثمر لم يطلب أية إعفاءات جديدة بل مجرد استقرار الرسوم والضرائب القائمة لعدد معين من السنوات.
كل مشروع أو مبادرة اقتصادية هامة تحولت إلى ملف فساد ، بل إن مشاريع المستقبل أصبحت جاهزة للتهمة. صندوق تنمية المحافظات سيتحول إلى ملف فساد في المستقبل إذا استمر الجو المسموم الراهن ، والمفاعل النووي ملف فساد آخر ، فلا عجب إذا تجمد المسؤولون وأصبحوا غير قادرين على اتخاذ قرارات خوفاً من التهمة الجاهزة.
في هذا البلد فساد كما في أي بلد آخر ، ومن الواجب كشفه ومحاكمته وإدانته ، ولكن الإدارة العامة في الأردن أكثر نزاهة وكفاءة من أية إدارة أخرى في المنطقة ، ومن حقنا أن نكرم المسؤولين الذين اجتهدوا فأصابوا وأخطأوا ، وأسهموا في بناء الأردن وارتقائه ، بدلاً من أن ندينهم بالجملة.
(الراي)