لكل دم تسعيرة!!

المدينة نيوز - من يموتون في غزة وشقيقاتها الفلسطينيات لا يدرجون في قوائم ضحايا الارهاب الرسمي والاحتلال المتسلط وكأن الكاميرات التي تفرغت لتصوير مشاهد القتل والتدمير أصبحت عوراء، لا ترى الا ما يحدث في جهة معينة، والمجتمع الدولي الذي رأى العرب أنه فقد مصداقيته وخلق أزمة ثقة بينه وبين الرأي العام تدرب على هذا الكذب في فلسطين وكانت له دورات تأهيل لمزيد من المهارة في العراق.. ولكي نصدق بأن ما يحدث في غزة هو عنف متبادل وتنطبق عليه قوانين وقف اطلاق النار، علينا ان نقدم احصائية بعدد الرؤوس النووية التي يملكها القطاع، اضافة الى عدد الدبابات وطائرات الفانتوم 16، وأوراق الفيتو التي سقطت تباعاً، فانكشفت عورة الامبراطور الاخير.
ومن حقنا الآن ان نستذكر تلك العبارة الساخرة لجورج اورويل في مزرعة الحيوان، وهي ان الناس متساوون بالفعل لكن بعضهم متساوٍ اكثر من البعض الآخر، فالضحية وفق هذا المعجم السياسي الجديد ليست الانسان فقط بمعزل عن هويته والجغرافيا التي يقتل عليها، يجب ان تضاف له صفات اخرى كي يستحق الشجب والاستنكار.
ان الوطن العربي الذي تتدرج تضاريسه من المحتل الى شبه المحتل الى المدرج على قائمة الاحتلال والتقسيم أصبح في نظر سدنة الكون وسادة الارهاب كوكباً آخر، له نواميسه وأطالسه وفصيلة دم خاصة به من النوع الرخيص الذي لا ينافسه سوى رخص الآدمي في هذه البورصة. وقد أوغل البرغماتيون والكلبيون والفريسيون في دم البشر بحيث أصبح اي كلام ذي صلة بالأخلاق مثيراً للسخرية، فالهم الآن كم يساوي هذا الدم وكم يجب ان يسفح من ذلك الدم كي يكتمل النصاب ويبدأ المزاد!
حين يقتل في غزة عشرة أو عشرون وتتفحم أجسادهم ننسى بأن هناك المئات ممن يموتون بسبب الحصار وشحة الدواء، كأن الموت أصبح له تعريف جديد، هو ما يتم انجازه بالقصف والصواريخ.
وقد يكون عدد ضحايا الحصار أضعاف عدد من يقتلون بالصواريخ، لكن هؤلاء ما من قوائم تضم أسماءهم، لانهم مجرد ارقام صماء، لماذا يكون العالم عادلا وحكيما ومدافعا عن حقوق البشر عندما يتعلق الأمر بأي شبر خارج تلك الحدود؟ ولماذا لا ترى الولايات المتحدة وضواحيها في القارات الخمس غير ما تريد أن تراه؟
لم يبق لدينا سوى احد تفسيرين لهذه اللامبالاة بدم الفلسطينيين اولهما ان القتل أصبح مألوفا ومدرجا في النشرة الجوية، وثانيهما أن عدد هؤلاء ومن يستبيح مصائرهم هو من فئة معصومة ويحق لها ما لا يحق للاخرين، لأن الاخرين مجرد أغيار او جوييم. ومن حقنا ان نسأل سيد البيت الابيض ما إذا كان هذا القتل في غزة هو جزء من أمن اسرائيل المقدس؟ بحيث لا يحق لأحد ان يتوقف عنده او حتى يتساءل عنه؟
هؤلاء لم يسقطوا سهوا في ربيع العرب الذي زحف إليه خريف مبكر، كما ان الالاف من أطفالهم وشيوخهم الذين فتكت بهم الانيميا واستباح الظلام أيامهم ليسوا مجرد ارقام في ملفات سوف يغمرها الغبار..
كفى تسويقا للكذب البليغ، فالكاميرات على ما يبدو كلها عوراء، ولكل دم تسعيرة!!
(الدستور)