مهمة عنان بين ترحيب النظام وتحفظ المعارضة

تم نشره الإثنين 12 آذار / مارس 2012 01:42 صباحاً
مهمة عنان بين ترحيب النظام وتحفظ المعارضة
عريب الرنتاوي

المدينة نيوز - في أول موقف علني له، بدا كوفي عنان، موفد الجامعة العربية والأمم المتحدة، ممسكاً بزمام وعي عميق للأزمة السورية وسبل الخروج من استعصاءاتها، بخلاف ما قاله بعض نشطاء الانتفاضة السورية الذين وصفوه بـ"القادم من المريخ"...عنان رأى أن عسكرة الانتفاضة وتسليحها، يعقّدان المسألة السورية، وهو إذ دعا طرفي الأزمة إلى وضع السلاح جانباً، لم يكن يعترف فقط بوجود فريقين مسلحين مقتتلين، بل وكان يقر بالحاجة للبحث عن "تسوية سياسية" بوصفها الحل الوحيد للأزمة السوريةـ وهذا هو الأهم.

لست أدري إن كان عنان بتصريحاته تلك، يصدر عن قراءات شخصية، أم أنه كان يعبر عن مواقف الجهات التي انتدبته لهذه المهمة...ولست أعرف بالضبط، طبيعة الحلف الإقليمي والدولي، الذي ينطق باسمه الرجل المنوطة به، واحدة من أعقد أزمات الربيع العربي، لكن الرجل بدا في تصريحاته، عارفاً بتعقيدات الحسم العسكري، سواء أكان خياراً للسلطة، أم طريقاً للمعارضة.

على أية حال، من المبكر الحكم على طبيعة "التسوية السياسية" التي يُبشر بها الموفد الأممي/العربي، هل يقصد التسوية على "الطريقة اليمنية" التي تزكّيها أطراف عربية ودولية، أم أنه يسعى في الوصول إلى "حل توافقي" تنتهي إليه حوارات المعارضة مع السلطة التي يدعو لها بوصفها طريقاً خلاصياً للجميع...من المبكر الحكم على ما في جعبة الرجل من أفكار، لأننا ببساطة شديدة، لا نعرف شيئاً عنها.

مهمة عنان ستصطدم بعقبات كأدأ، مصدرها السلطة والمعارضة على حد سواء...النظام الذي رحّب بتعيين عنان وبتصريحاته الافتتاحية، سيجد نفسه بعد حين طال أو قصر، أمام لحظة الحقيقة والاستحقاق، عندما سيطلب إليه، من ضمن "مقدمات التسوية" وليس بنتيجتها، أو في خواتيمها، الإقدام على سلسلة من الخطوات التي ماطل حتى الآن في الإقدام على أي منها: سحب الجيش وإعادته إلى ثكناته، الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، إطلاق الحريات، محاسبة المتهمين بمقارفة جرائم ضد الإنسانية...وربما في مرحلة لاحقة، التفكير بقرارات صعبة من نوع التنحي، أو تشكيل مجلس رئاسي انتقالي، أو تفويض صلاحياته لنائبه.

ما بدا ارتياحاً "سلطوياً" لمهمة عنان، قد يكون نابعاً عن رغبة في استعجال الخروج من عنق الزجاجة...وقد يكون رهاناً على أن "رفض مهمة عنان" سيأتي من جانب المعارضة، فلماذا استعجال الرفض من جانب النظام؟...وفي ظني أن الطريقة التي تصرفت بها المعارضة مع مهمة عنان، جعلت مهمة النظام، سهلة للغاية، بل وربما جاءت مصداقاً لرهاناته الأولى، عندما رد بإيجابية على مهمة الرجل وتصريحاته.

في المقابل، بدت المعارضة فاقدة للتوازن والاتزان، وهي تتعامل مع مهمة الموفد (الدولي/العربي)...فهي بدأت بتوصيف الرجل بما لا يليق بشخصه ومهمته وتفويضه...وهي انتهت إلى وضع الشروط المسبقة، التي من شأنها تعقيد مهمة الرجل، فالحديث المتكرر عن تنحي الأسد وتحويله إلى "لاهاي"، كشرط مسبق للحوار...واقتصار المهمة على الحوار في الأساس على تسليم السلطة وإدارة أمر المرحلة الانتقالية، أمرٌ قد يصدر عن "منتصر" يملي شروطه وإملاءاته، وهذا ليس توصيفاً دقيقاً لوضع المعارضة السورية اليوم.

وعندما تكون المعارضة في موقع القادر على إملاء مثل هذه الشروط، فإن الحاجة تنتفي لعنان والتسوية والحوار والمنتظم الدولي والجامعة العربية...هذا أمرٌ غير واقعي على الإطلاق...فشروط المعارضة لافتتاح الحوار، يمكن أن تكون شروطاً لاختتامه، أو قواعد للمرحلة الانتقالية، لكنك لا تبدأ مهمة من هذا النوع، بالطلب إلى طرف تسليم مقاليد السلطة، وإلقاء الأوراق، والتنحي جانباً، وبعدها يبدأ الحوار...حوار على ماذا ولماذا، في حالة كهذه؟!.

أخشى أننا أمام حالة من "الابتزاز المتبادل" تعيشها بعض أوساط المعارضة في الخارج، تمنع العقلاء فيها، من التقدم بتصورات تقصّر أمد معاناة السوريين...أخشى أننا أمام أطراف (بعضها لا جميعها)، لم تعد تمتلك زمام قرارها بالمستقل، وباتت جزءا من لعبة الصراع على سوريا، التي تنخرط فيها قوى عربية وإقليمية ودولية فاعلة.

على أية حال، كان يمكن لموقف إيجابي من المعارضة حيال مهمة عنان، أن يضع النظام في زاوية ضيقة...الآن تتجه الأمور نحو إلقاء الكرة في ملعب المعارضة...كان يمكن للمعارضة أن تضع شرط وقف الحملة المنتظرة ضد إدلب وريفها ابتداء، وفتح حمص أمام فرق المساعدات الدولية...كان يمكن للمعارضة أن تتقدم بلائحة مطالب، تكشف زيف "الترحيب" غير المكلف، الذي أبداه النظام حيال مهمة عنان.

طوال أشهر الأزمة الاثني عشر الفائتة، كنا نقول ونردد بأن النظام عدو نفسه....اليوم نعيد تكرار العبارة ذاتها، ولكن في وصف المعارضة هذه المرة.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات