انظمة ظالمة وشعوب لا تختلف عمن ظلمها

المدينة نيوز - يثور العرب على الذين ظلموهم،وتطيح الشعوب بالانظمة الظالمة،غير ان هناك من يريد ان يجعل الشعوب تدفع الثمن اضعافا مضاعفة.
سقط النظام التونسي،وهاهي الاسلحة تباع في شوارع تونس،وامن المطار يمتنع عن العمل،فيتوقف المطار،وتزيد نسبة العاطلين عن العمل،بزيادة كبيرة،وتتوقف السياحة،وفوق ما سرقه ابن علي،يدفع التونسيون ثمن ثورتهم،حتى يترحموا على الظالم،ويصير نعمة مفقودة،ويعيد التوانسة انتاج ذات وسائل الظالم السابق،فينتجون الظلم الجديد تحت مسميات مختلفة،والظالم يلد الف ظالم صغير.
في ليبيا حروب قبلية بعد سقوط القذافي،وميليشيات،وصراعات على السلطة،وبرقة تعلن حكما ذاتيا وانفصالا،والعصابات تغلق مناطق محددة،وذات الشعب الذي اشتكى هدر حقوق الانسان،يهدر حقوق الانسان ايضا،عبر تعذيب معارضي العهد الجديد،وعبر القتل والانتقام من انصار العهد السابق،وليبيا مؤهلة للانقسام على اساس دولتين شرقية وغربية،ويخرج الغضب الليبي على العهد السابق،غضبا غير منتج بين الليبيين انفسهم،فلا يختلف هؤلاء عن هؤلاء.
اما مصر فحدث ولاحرج،فلا الاموال عادت،ولا أمن المصريين موجود،ومليارات المصارف اختفت بعد تهريبها للخارج،والسياحة توقفت،ولا عملات اجنبية لاستيراد الغذاء،والصراع بين الاسلاميين والاتجاهات الاخرى على اشده،ومصر مهددة بأي لحظة بانقسام ديني،وبالتقسيم الجغرافي على اساس دولتين،فيلعن المصريون الثورة،على يد من يريد ان يلعنوها،حتى يصيرالترحم،على الظالم سنة مؤكدة،لان المصريين اكتشفوا انهم كانوا بفرعون ظالم واحد،واذ بهم امام مئات الاف الفراعنة الظلمة من مستويات مختلفة،كلهم يريدوا ان يحكموا ويرسموا.
من هناك نذهب الى اليمن المؤهل للانشطار الى ثلاث دول،زيدية وجنوبية ولربما اخرى للقاعدة او في الشمال،وخراب اقتصادي،وفوضى في استعمال السلاح وقتلى في كل مكان،والذين يثورون بسبب المظالم يكتشفون انهم ليسوا لوحدهم في الملعب،فهناك من يريد ان يجعلهم يدفعون ثمن ثورتهم،واليمن ذاهبة الى الانهيار لان لا احد يرضى،والكل يختلف مع الكل،وثارات الدم بين اهل اليمن لم تترك احدا من شرها،واليمن كله يقف امام التفتيت والتقسيم والحرب الاهلية،وبدلا من ظالم تم حرقه ورحل،ها هو اليمن لايهدأ،لان الصراع على السلطة ينتج الاف الظلمة يوميا،ممن يهدرون دم شعب كريم.
اما سورية فلنتحدث دون جرح،كل خطايا عهد الاسد،الاب والابن،من القتل والتخريب والسرقات وانتهاك حقوق الانسان،والمذبحة اليومية في سورية،ليست الا مقدمة من اجل تحطيم سورية وتقسيمها ايضا،وهي مؤهلة بفعل الارضية المذهبية،والاحقاد التي تم زرعها بين الفئات السورية المختلفة،للانشطار الى عدة دول،هذا اذا سلمت في النهاية من الحرب الاهلية،والاقتتال الداخلي،ثم لنتخيل سقوط النظام،والاف الرؤوس التي ستنتقم وتعيد انتاج الظلم تحت عنوان العدالة والتصويب.
نخبتنا تجامل فقط وتبحث عن الشعبية،عبر امتداح اي ثورة عربية،غير ان لا احد يسأل عن نتائج الثورات،وعن حسابات الاطراف الاخرى التي تلعب بالشعوب العربية وحساسياتها،ولا احد يريد ان يجيب عن الاسئلة حول بنية هذه الشعوب التي تبدأ بثورة على ظالم،فتنتهي ببلد بلا دولة ولا نظام،بلد مقسم الى بلاد عدة،بلد ينهار اقتصاديا ويغرق في حروبه الداخلية،وكل هذا لا يعني الحفاظ على الظلمة والامساك بشرورهم باعتبارهم نعمة،لكنه يثير التساؤلات مرة اخرى حول قدرتنا على انتاج ثورة حقيقية،وعلى قدرتنا ان لا نبقى ننهار،كل خمسين عاما،بحرب او انقلاب او ثورة او حتى هزة ارضية،او حتى توليد الظلم من باطن الظلم.
كل هذا يحدث لان عملاء الانظمة السابقة لا يسكتون،ولان شعوبنا ايضا لا تعرف كيف تدير التغيير بغير ذات وسائل الانظمة الظالمة السابقة،ولان الدول الكبرى والدول العربية النافذة ايضا،تنزل الى الميدان لجعل هذه الشعوب تدفع ثمن صحوتها،وما يهمنا هنا هو المحصلة النهائية التي تقول اننا شعوب غير محصنين ضد كل هذه التدخلات،فنكتشف ببساطة ان الثورة شيء،وقطف ثمار الثورة امر اخر.
لا نجيد سوى فن الانقلاب،كما العسكري الذي ينقلب على الحاكم،فالشعب ينقلب على الظالم،غير ان ما بعد الانقلاب هو الاهم،لان ما تكشف حتى الان يقول ان كل دول الثورات العربية ذاهبة الى الخراب الاكبر،والى الانهيار الشامل،وقد نصحو بعد عشر سنين،امام عشر دول عربية جديدة تم توليدها من رحم الثورات العربية المباركة.
بهذا المعنى يقال ان ادانة الشعوب خطيئة،لكن بمنطق العقل يقال اننا بتنا بين خيارين احلاهما مر،حاكم ظالم،او ثورة عليه وانهيار شامل على يد ظلمة صغار،فيما الطريق الثالث،مغلق،حتى اشعار اخر،ولم نسمع عن ثورة عربية قطف الناس ثمارها،حتى لو تذاكى علينا مفكرونا باستدعاء ارث الثورة الفرنسية التي استمرت مئات السنين،في سياق القول ان علينا الصبر،وهو كلام مترف يراد منه تهيئة الأمة لمزيد من التناحرات والمذابح تحت عنوان الحرية والحياة.
اذا كان الحاكم ظالما ولصا،فلماذا لا نثبت كعرب اننا أحسن من حكامنا؟!.
(الدستور)