يوم للنساء ودهر للذكور!!

المدينة نيوز - كما في كل عام، يجد البعض بالمناسبات التي لا تخصهم من قريب او بعيد فرصة لملء الفراغ سواء في أعمدة الصحف التي تتجاور فيها المهود والتوابيت او عبر الفضائيات.. ومن تلك المناسبات يوم الطفل ويوم المرأة ويوم الشهيد ويوم اصحاب الاحتياجات الخاصة.. الى اخر هذه الايام التي اوشكت ان تغطي التقاويم.
ولان المناسبة ليوم واحد، اي اقل من طقس العزاء، فان ما يكتب عنها ايضا هو من فئة ما يسمى "ديسبوزبل"، اي الاستخدام لمرة واحدة فقط، ثم ينتهي الامر ويسدل الستار وكفى الله الجميع شر الاستمرار!
وما كتب عن يوم المرأة هذا العام ما لا نحتاج حتى الى النظر فيه لانه من الكتابات المستعملة او الثيرد هاند وليس السكاندهاند فقط، لكن كاتبة تونسية اخترقت الحاجز الذكوري وكتبت عن خيرات هذا العام بالنسبة للمرأة ومن هذه الخيرات، الختان، والدعوة الى اغتصاب السافرات واعادة المرأة الى بيت الدمية الذي وصفه مسرحيا ابسن قبل زمن طويل، لقد كذبنا نحن الذكور - ولا اقول الرجال - على النساء طويلا، وكان اكثرنا زعما بالانحياز الى حرية المرأة هو اكثرنا صرامة وجذرية في تحويلها الى رهينة، ولان ما يقال ويكتب ويبث لا يلاحق باية مساءلة او حتى باستفسار فان الازدواجية وجدت مجالها الحيوي في مثل هذه المناسبات فقد يكتب عن الشهيد في يومه من اكل لحم الشهداء جميعا، وسخر منهم لانهم لم يبلغوا الرشد الكلبي الذي بلغه عندما قدم طلب انتساب الى جحا كي ينضم الى حزبه، وهو لا يعنيني ما هو ابعد من جسدي ولو بشبر واحد.
وثمة اربعة جرى السطو عليهم في ايامهم المكرسة لحقوقهم، هم الشهيد والمرأة والطفل والعامل، فباسم هؤلاء بنيت عمارات وقصور وعقدت مزادات سرية وعلنية، وكان حاميها الزعوم هو على الدوام حراميها، فاين هو المعيار او الغربال المرشح لفرز القمح من الزؤان، والكلام الموسمي المجاني من المواقف الثقافية والسياسية والاخلاقية؟
لم تعرف المرأة منذ هزيمتها التاريخية عندما اكتشف البرونز كما يقول علماء الانثربولوجيا ومنذ الامازونيات اللواتي بترن اثداءهن كي لا تعوقهن عن استخدام السلاح والقوس بالتحديد، مثل هذا النفاق الذكوري الذي يظهر كالثلج ليوم واحد ثم تذيبه الشمس بمجرد شروقها. واذكر ان صديقا اوروبيا زار هذه المنطقة ومكث اياما في احدى العواصم العربية قال لي بان القاسم المشترك الوحيد بين اليسار واليمين في العالم العربي هو النظرة الى المرأة. فقد زار منزل احد المثقفين من حزب ديني ومنزل احد الشيوعيين وفي الحالتين لم ير ظل امرأة في المكان، بل سمع طرقات على باب خلفي عرف فيما بعد انها نسائية، وذلك عندما سلمت المرأة صينية القهوة لرب البيت.
ان ستة الاف عام من الايديولوجيا الذكورية في التاريخ حولت التاريخ ذاته الى ذكر ورغم النسبة المتعاظمة من النساء الباسلات وحفيدات الامازونيات المحاربات فان احوال المرأة في عالمنا العربي لا تسر غير الرجل الذي اختصر قيم الرجولة كلها في الذكورة، رغم انه اسد على امرأته وفي الحروب نعامة..
فيا نساء عالمنا العربي الذي يشهر شاربيه بدلا من قلمه او سيفه او عصيانه على تعاليم التدجين والقطعنة لا تصدقن ما تقرأن او تسمعن ليوم واحد على الاقل في كل عام.. واذا صح ما قاله الراحل ادوارد سعيد ان الشرق بدعة الغرب فان المرأة بدعة الذكر، لانه صاغها على هواه!
(الدستور )