إعلانات السم والدسم!!

المدينة نيوز - أصبح الاعلان مادة دسمة للمشتغلين في علمي النفس والاجتماع، فهو يصلح بابا مفتوحا على مصراعيه للدخول الى المكونات الاجتماعية والنفسية لمجتمع ما. اضافة الى دلالاته الاقتصادية من خلال اقترانه بالاستهلاك ودينامياته.
فالاعلان اصبح بلا حدود شأن معظم الظاهر في حياتنا المعولمة فقد حولت بعض الاعلانات المرأة الى مجرد شيء او سلعة. ونالت ايضا من الاطفال. ومنها ما تلاعب بحقوق الانسان من خلال التفريق بين عرق وعرق ولون ولون.
ومؤخرا اوقفت وزارة الصحة المصرية عددا كبيرا من الاعلانات من خلال عشر قنوات فضائية لانها غير مرخصة اولا ولانها تخدع المستهلك، وكان الاجدر بوزارات الثقافة والتربية والتعليم ان تبادر الى ايقاف هذا النزيف الاعلاني السام وللمثال فقط سأذكر عددا من الاعلانات التي تسيء الى الذاكرة المعرفية للبشر والى صحتهم الجسدية والنفسية. ثمة اعلان عن جمهورية افلاطون، تقول فيه احدى الطالبات في حصة الفلسفة ان هذه الجمهورية لا تطاق، ولا تصلح نموذجا او مثالا فقط لانها تخلو من مكيفات هواء من طراز "كذا" وثمة اعلان اخر تتقدم فيه سيدة الى طفلتها بتفاحة، لكن الطفلة ما ان تمسك بالتفاحة حتى ترميها وتقول ليست لذيذة ثم تخرج من الحقيبة زجاجة عصير صناعي مليء بالتراكيب الكيميائية.
واعلان ثالث يعد العجوز باستعادة الصبا بكامل العافية اذا تناولت يوميا قرصا من دواء هو في حقيقته مجرد خرافة.
وكان الشاعر الانجليزي سي لويس قد ألّف كتابا قبل فترة من اجتذاب شركات الاعلان لكتاب وفنانين بحيث يطلب منهم ان يصوغوا عبارات من صميم الخيال ثم تستخدم هذه العبارات لتسويق سلع لا علاقة لها بما كتب عنها. وكتب هربرت ماركيوز قبل رحيله شيئا كهذا في كتابه الانسان ذو البعد الواحد. فهذا الانسان الاستهلاكي يفقد بمرور الوقت وادمان ثقافة الاستهلاك ارادته. اما الكاتبة سيمون دو بوفوار فقد ذهبت الى ما هو ابعد عندما كتبت قبل عقود ان الاستجابة للاعلانات والتورط بمتوالية الاستهلاك المحموم تصبح تعويضا عن تحقيق الذات اجتماعيا او ثقافية او سياسيا.
ان اهم مرجعية لثقافة الاعلان في عصرنا هي نظرية عالم النفس بافلوف والتي تسمى التعلم الشرطي، وتقوم على تجويع الكلب ثم تقديم الطعام له مقترناً برنين جرس، بعد ذلك اصبح لعاب الكلب يسيل لمجرد ان يسمع الجرس حتى لو لم يكن هناك اي طعام والاعلان الذي يعد الاشقياء والفقراء والمرضى والجهلة بالسعادة المطلقة اذا اقتنوا سيارة من نوع معين هو بافلوفي بامتياز. وعندما يكون الاعلان عن علبة سجائر مقترناً بصورة لفتاة جميلة وشبه عارية فهو ايضا بافلوفي بحيث يتوهم من يصدق هذا الوعد بأنه سيحصل على فتاة كتلك لمجرد ان يدخن نوعاً معيناً من التبغ!
والرقابات العربية التي لا تفوتها نقطة أو فاصلة من كتاب او ديوان شعر أو رواية تفوتها وبمحض ارادتها كل هذه السلالة من الاعلانات لأنها أساساً ضحية الثقافة الاستهلاكية ذات البعد الواحد.
ولم تكتف هذه الاعلانات بالاساءة للطفل والمرأة والفلسفة والصحة لذلك تمددت الى الاغاني القديمة واعادت توظيفها بشكل فج ومثير للغثيان لصالح الاعلان عن السلع!!
(الدستور)