في الطريق إلى بغداد

المدينة نيوز - تشير الترتيبات الحثيثة التي تجريها السلطات العراقية، إلى أن القمة العربية المُقررة في بغداد، سوف تلتئم في موعدها المقرر نهاية الشهر الجاري...فالترتيبات لاستقبال الملوك والرؤساء والأمراء، استكملت عن “بكرة أبيها”...والإجراءات الأمنية بلغت ذروتها، باستنفار جيش كامل لحماية ضيوف العراق، الذين لم يطأ بعضهم أرض العراق، ولو مرة واحدة واحدة في حياته، أو لم يطأها بهذه الصفة، في حين مضى على بعضهم الآخر، سنوات وعقود، منذ أن أن زار بلاد الرافدين لآخر مرة.
على أن أمر القمة، ما زال في عداد “الغيب” بالنسبة لكثيرٍ من المراقبين والمحللين السياسيين...فالطريق إلى القمة ما زال مفروشاً بحقول من الألغام السياسية والأمنية...وثمة دولٌ ومحاورٌ عربية، لا تريد أن تعطي لبغداد شرف استضافة القمة، وهي لم تألُ جهداً لزرع الألغام والعراقيل في الطريق إلى بغداد.
بعض العرب، ينظرون لبغداد بوصفها امتداداً لطهران، وعضواً وافداً إلى نادي “المقاومة والممانعة”، مع أن النظام العراقي الجديد، لطالما أُتهم بالتبعية للأمريكان، وقيل في عمالة بعض أركانه للندن وواشنطن، ما لم يقله مالك في الخمر...والأهم من كل هذا وذاك، أن هذا النظام، بدأ يندرج وبقوة، في خانة التصنيفات المذهبية التي أخذت تعلو على كل التصنيفات الأخرى، في زمن “التطيّف” و”التمذهب” الذي تعيشه المنطقة، حد الغليان.
قيل أن القمة المقبلة، يجب أن تبحث في التهديدات الإيرانية “المركبة” لأمن الأمة واستقرارها وسيادة دولها، سواء عبر برنامجها النووي المثير للجدل والمخاوف، أو عبر “الأذرع الشيعية” الممتدة إلى دواخل عديد من الدول العربية، أو عبر “الإقتحام” الإيراني لبعض الملفات المشتعلة في المنطقة، من فلسطين وحتى سوريا مروراً بلبنان وغيره.
وحين تتهم السعودية “أطرافاً خارجية” بالعمل على زعزعة استقرارها الداخلي وسلمها الأهلي...وحين تخرج اجتماعات دول مجلس التعاون، باتهامات مماثلة لإيران، فمعنى ذلك مباشرة، أن النظام المحسوب عليها في العراق، ليس أهلاً لاستضافة قمة عربية دورية، وعلى أقل تقدير، ليس أهلاً لاستضافة قمة مكتملة النصاب، وعلى أرفع مستوى.
وحين تندلع التظاهرات في العراق، تضامناً مع شعب انتفاضة شعب البحرين، ذي الغالبية الشيعية، فمعنى ذلك أن المكونات العراقية، الممسكة بزمام النظام الجديد في بغداد، يجب ألا تنتظر مشاركة بحرينية، واستتباعاً خليجية، كاملة وعلى أرفع المستويات، في أول قمة عربية يلتئم شملها بعد اندلاع “ربيع العرب”، وأول قمة يستضيفها العراق، منذ أن غزا الكويت قبل أزيد من عشرين عاماً.
ويأتي الخلاف العراقي – الخليجي عموماً، القطري – السعودي على وجه الخصوص، حول الأزمة السورية، ليلقي بظلال كثيفة وكئيبة على مشهد القمة العربية القادمة...فالملوك والقادة الذين يتوجسون من “الأوضاع الأمنية في العراق”، ولا يطمئنهم كثيراً حشد مئة ألف جندي عراقي لحمايتهم، يتخوّفون أكثر من “الأوضاع السياسية” للقمة، ويتحسبون للنتائج التي ستتخمض عنها، ليس على صعيد المقررات والبيان الختامي فحسب، وهذا أمر بالغ الأهمية، ويتأثر عادة بمواقف وتوجهات الدولة المضيفة، بل ويتخوفون أيضاً من مسألة انتقال رئاسة القمة، واستتباعا المؤسسات المنبثقة عنها، من الدوحة إلى بغداد، سيما وأن الرئاسة القطرية للقمة العربية، كان لها دور حاسم التأثير على مقررات الجامعة العربية وأدائها حيال الأزمتين الليبية ابتداءً والسورية لاحقاً، وهذا أمر لا يريده كثيرون ، ولا يريدون بشكل خاص، أن يوكلوا هذه المهمة لآخر عضو في “محور المقاومة والممانعة”.
واللافت للإنتباه حقاً، أن الطريق إلى القمة العربية لم يكن معبداً بالخلافات العربية البينية فحسب، بل رأينا الكثير من الألغام السياسية والأمنية المزروعة على حوافه، من قبل أطراف عراقية محلية...فالتصعيد الأمني الأخير، وحرب السيارات المفخخة والإنتحاريين، استأنفت تصاعدها وتصعيدها، عشية القمة العربية، وبما يوحي بأن العراق ليس بلداً آمناً ليستضيف حدثاً عربياً على هذا المستوى، وهذا تطور لا يُقرأ محلياً فحسب، بل بامتداداته الإقليمية كذلك.
ورأينا أيضاً، انسحابات القائمة العراقية من مؤسسات الحكم والسلطة، تزامناً مع تنامي دعوات المحافظات السنيّة للتحول إلى “أقاليم”...وهي تطورات، وإن كان لها أسبابها ودوافعها المحلية، إلا أن أحداً لن يكون بمقدوره، إغماض الأعين، عن أبعادها العربية والإقليمية على نحو خاص.
أياً يكن من أمر، فإن قمة بغداد المقبلة، ما زالت “رجماً بالغيب” من حيث انعقادها أو تأجيلها، أو من حيث عدد المشاركين فيها ومستواهم وسويتهم، فضلاً بالطبع، عن فرص نجاحها في بناء توافقات عربية، حول المواضيع الأشد سخونة وإثارة للإنقسام في العالم العربي، ومن بينها بشكل خاص، إيران وسوريا.
(الدستور)