متى يبكي الرجال؟

تم نشره الجمعة 16 آذار / مارس 2012 01:09 صباحاً
متى يبكي الرجال؟
سالم الفلاحات

المدينة نيوز - يبكي الأطفال أو تنهمر دموعهم تمثيلا عندما يصرّون على امتلاك الأشياء الصغيرة.
وتبكي المرأة دلالا (ودلعا أحيانا)! أو عند فقد عزيز أو لإقناع المشاهدين بحقيقة ما تقول.
ويبكي الأتقياء العارفون بالله سرا خوفا من الله تعالى.
وبكى أبو عبد الله الصغير بعد مغادرته غرناطة في الصلح المذل, ملكاً مضاعاً ذلة وخسة وتفريطا, ولم تبك أمه الحرة عائشة إنّما ماتت كمدا في الصباح التالي.
ويبكي الرجال كمدا، حتى أمام الأطفال والنساء والأصدقاء والأعداء، وهو مستهجن عليهم في الغالب، ولكنهم يبكون.
* استوقَفَنا جميعا مشهد بعض النواب الكرام يبكون في مجلس النواب تحت القبة, قبة القرارات والتشريعات، السلطة الأعلى في الدولة, أو هكذا يجب أن تكون.
* نعم يبكي الرجال الصادقون قهرا, وقد استعاذ النبي الكريم من ثماني مصائب فقال: اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
* إنّ دموعا كثيرة تذرفها عيون الأردنيين والأردنيات قهرا وكمدا وغيرة، أو بسبب قلة الأنصار, وغفلة الغافلين وعدم ترتيب الأولويات, أو للخذلان والتقاعس ممن ينتظر منهم النصرة والمبادرة ومحبة الأردن, أو لتشويه الحقائق والنيل من سمعة الأحرار والمصلحين والقدرة على تمزيقهم، وقد لا يراها أحد إلاّ الواحد الأحد.
وإن قُدر لبعض المواطنين الإطلاع على مشهد بكاء النواب الذين وصلوا لهذه الحالة من الشعور بالعجز أمام تحيُّز زملائهم ووقوفهم مع معسكر الفساد والاستبداد والظلم ليصبح هو صاحب اليد الطولى والكلمة الفصل مهما كانت جريمته بحق الوطن والناس, ولو كانت واضحة وضوح الشمس أو وضوح سرقة الفوسفات التي تصلح أن يضرب بها المثل ليقال: لا تغطى قضية الفوسفات بغربال, فهي كالشمس وضوحا، أو لتسمى الفاجعة أو مجزرة الإصلاح.
* ولست مع  المشككين في هؤلاء النواب الكرام، معاذ الله، فلن يخلو المجتمع على كثرة أمراضه من الأخيار, وإن كان التشكيك فيمن يحاول أن يقول لا حتى لو كانت (صغيرة) هو سلاح الأنظمة وقوى الفساد الفعال عند الجهلة اليوم, والشائعة لا تكلّف صاحبها سوى همهمات مجهولة لبعض الوقت ثم تنتشر!
تحية لهؤلاء النواب الكرام عندما حاولوا, وإن حرمهم قانون الانتخاب ونظام الانتخاب وغياب الإرادة السياسية للإصلاح والحرص على حماية المفسدين وتقديسهم، من كثرة الأنصار في المجلس العتيد على حساب المدافعين عن الفساد أو المشاركين فيه.
* تحية لهذه الثلة الكريمة بكاءها وصراحتها وموقفها الذي ينتظر تأكيده وتعميقه.
ولكنّي أتمنى أيضا أن يهنئهم الشعب في المستقبل على صدقهم وعدم يأسهم وعدم ترددهم وبعدهم عن الأعذار والتعلق بالأوهام، ووضع أيديهم بأيدي الذين بحّت أصواتهم، بحّة محمودة، من كثرة مناداتهم لأهل هذا البلد أن هلموا إلى ما ينقذ السفينة، فقد أوشكت على الغرق إن بقي المفسدون يتحكمون بدفتها من وراء الكواليس.
* وبعد اليوم هل نرى هذه المجموعة (التجمع النيابي للإصلاح) يقفون مع التجمعات الشعبية للإصلاح، ومع أردنيات وشباب ونقابيين وعلماء ومعلمين وحقوقيين وعشائر من أجل الإصلاح, ومع أهل الطفيلة في الطفيلة وفي عمان, الذين أثبتوا إصرارهم خلال سنة ونيف على تحمل العبء الأكبر في مشروع الإصلاح, وتلقوا في سبيل ذلك المصائب وما لانت لهم قناة مع أنّهم الأحوج والأفقر والأكثر حرمانا وإقصاء واستهدافا لكسر شوكة الإصلاح بشكل عام، وأنّى لهم ذلك؟ ومع ذلك فهم يعلّمون الأردنيين في كل يوم دروسا في الإصرار بسلمية لا تنقصها الصراحة والوضوح على تحقيق الإصلاح، متجاوزين جميع أنواع الترغيب والترهيب والبلطجة والمؤامرات وفنونهما.
* هل سنجد هذه المجموعة الكريمة من النواب مع جموع المحتجين في مسيرات الحسيني غدا، وفي ساكب وفي الكورة والكرك وإربد والحصن وذيبان والموقر والسلط وسحاب وبقية أرجاء الوطن يقتسمون معا أذى البلطجية في أجسادهم وسياراتهم وممتلكاتهم, ويرفعون العلم الأردني بجد ملتصقين بشعبهم المقهور؟
* نعم إنّهم أقليّة في المجلس, ومتى كان الأخيار والمصلحون أكثرية في مجتمعاتهم في التاريخ الإنساني كله؟ (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)، وما كانت الكثرة في الظروف الاستثنائية تعني شيئا، بل هي مدعاة للركون أو حتى للهزيمة أحيانا، ولقد استنكر خالد بن الوليد رضي الله عنه قول من قال في اليرموك منبهرا: ما أكثر الروم وما أقل العرب!
* ترى هل يجتمع بقية النواب وأقليّتهم وبقية المنادين بضرورة الإصلاح السياسي أولا من الشباب والكهول والشيوخ رجالا ونساء, وينحّون خلافاتهم جانبا حتى تعبر سفينة الوطن المضيق, وتستعيد عافيتها ويصبح الميدان عندها مفتوحا لأيّ عامل مقنع يثق به الناس, من الأحزاب على تنوعها والأفكار والاجتهادات مهما كانت، ويترك للشعب الحكم عليها بحرية، فاليوم هو وقت العمل والتضحية والبذل وليس يوم اقتسام غنائم موهومة وغير موجودة، بل هي دون الفتات.
* إنّ هذه الأُميّة غير مقبولة من الشعب المثقّف في قراءة رسائل قوى الفساد والاستبداد الأخيرة التي كانت في أوضح صورها في قضية الفوسفات وحرمان العدالة من أن تقول حكمها القانوني في الأظناء بقرار من مجلس الشعب! وكذلك رسالة التعامل مع أهل الطفيلة واعتقال شباب الحراك الذين أثبتوا خلال أربعة عشر شهرا أنّهم على قدر عظيم من المسؤولية والتعقل والإصرار والقوة، الذين يمثّلون في معظمهم قمة الأخلاق، وعسى أن لا يجد الأمن مخدرات في جيب حافظ القرآن الذي كان ينظّف شارع الطفيلة مما لحق به المهندس مجدي ورفاقه ولا غرابة! وهم اليوم أمانة في أعناق الأردنيين وما عليهم من سبيل، إنّما السبيل علينا جميعا أن خذلناهم وتركنا أعداء الحرية والكرامة وحب الأردن وسارقي مقدراته والساعين لتفكيك لحمته زرّاع الفتن, من أن يتفرّدوا بهم بوسائلهم المختلفة, فعلى شريحة الإسلاميين أن يراجعوا ثوابتهم الشرعية بهذه المسألة بالتحديد، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول: المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره, وهذا كلام صريح لا يحتاج لتوضيح. كما أنّ على العروبيين والقوميين أن يراجعوا ثوابتهم كذلك، فالطفايلة عرب أردنيون، وأعجب مما كتبه بعض الأصدقاء بالأمس في العرب اليوم ممن كنت أظن أنّهم يجمعون ولا يفرقون، من تحريض القوميين واليساريين على ضرورة الابتعاد عن الحركة الإسلامية والادّعاء أنّ الذي كان مستفيدا من التفاهم السابق هو الإسلاميون فقط.
وعلى الإنسانيين أصحاب الفكر الإنساني من اليساريين أن يتذكّروا أنّ الطفايلة الكرام يرفعون لافتة إنسانية لا يصح أن يختلف عليها أحد، فالحرية والعدالة والكرامة وتوزيع الثروة بعدالة واحترام إنسانية الإنسان قيم مشتركة دائما.
وأخيرا، البكاء وحده لا يكفي، ويجب أن يبكي المفسد وأن يريحوا الأرض والشعب من دنسهم, هل بكى الأخوة النواب قبل أيام ليفرح الأردن والأردنيون لانطلاق مرحلة جديدة من القناعة المشتركة، ملخّصها أنّ بعض الآمال والأعمال حراثة في البحر ليس غير، وأنّ طريق النجاة والسلامة لا يرسمه المستبد الظالم للمقهور المطارد؟! لأنّه يتمنّى أن يبقى الناس في لهو وغفلة وانشغال عن جرائمه, إنّما يرسمه المصلحون أنفسهم فقط مهما كانت أعدادهم ولن يبقى القوي متعاليا مستكبرا ولا الضعيف مطاردا، (وتلك الأيام نداولها بين الناس), ألَيست هذه هي الحقيقة على مدى التاريخ القديم, والقريب منه لا يزال قائما؟


(السبيل)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات