نظير وجيّد .. وإشكالي!

المدينة نيوز - الاسم الحقيقي للبابا شنودة الذي رحل بالأمس هو نظير جيّد، وعندما سمعت بهذا الاسم للمرة الاولى في القاهرة قلت لاصدقائي من الاقباط المصريين ان هذا الاسم له دلالات تليق بالرجل، فهو من دارسي التاريخ وقد تخرج من جامعة فؤاد الأول قبل ان تحمل اسم جامعة القاهرة من قسم التاريخ، وله دراية استثنائية باللغة العربية التي كتب بها شعراً وتأملات.
أما الذي أضفته الى اسم البابا الراحل نظير جيد وهو اشكاليّ فليس معناه كما يظن البعض ان الرجل صانع مشاكل، فالمصطلح الذي طالما تعرض لسوء فهم والتباس معناه الدقيق هو الشخص الذي لا تختزل شخصيته ومكانته الى وظيفته فقط، سواء كانت بالمعنى الروحي أو بالمعنى التقليدي.
وما جعل من شخصية هذا البابا اشكالية هو أمر له صلة بالسياسة أولاً، فقد كان للبابا الراحل مواقف سياسية مشهودة، منها اعتراضه على معاهدة كامب ديفيد، ثم عقاب السادات له بحيث نفاه الى اقامة جبرية في وادي اللطرون، كما انه كان رافضاً وبشدة لزيارة المسيحيين المصريين الى القدس ما دامت محتلة، أما آخر مواقفه الاشكالية فهي ما يقال عن تأييده للرئيس السابق حسني مبارك وقبوله مسألة التوريث وكذلك موقفه الذي لم يكن حاسماً من ثورة يناير..
هنا.. نترك الأمر لابرز المثقفين الاقباط في مصر، فمنهم من يرى ان انحياز البابا شنودة كان للدولة وليس لرئيس محدد، ومنهم من يقرأ الاحداث بأثر رجعي فيرى ان ما تعرض له الاقباط في مصر بعد الثورة كان أشد مما تعرضوا له من قبل وليس معنى ذلك ان الثورة هي المسؤولة عن هذه الاحداث، وبالتحديد ما يسمى أحداث ماسبيرو في الساحة المقابلة لمبنى التلفزيون المصري، خصوصاً وان هناك لغطاً تصاعد بعد تلك الاحداث عما سميّ الطرف الثالث أو اللهو الخفيّ باللهجة المصرية، وكأن هناك بشراً مجهولي الهوية ارتدوا طاقيات الاخفاء وفعلوا ما فعلوا وانتهى الأمر..
ان في مصر ما يشبه الاجماع على وطنية البابا شنودة أو نظير جيد، وهم يحفظون عن ظهر قلب سواء كانوا مسلمين أو أقباطاً تلك المقولة التي تنسب الى الرجل.. وهي ان المصريين لا يعيشون في مصر بقدر ما ان مصر هي التي تعيش في داخلهم! ما أضاف الى سيرة هذا الرجل أبعاداً أخرى خارج نطاق الكنيسة هو ان الاحداث الجسام التي وقعت في مصر والعالم العربي كانت خلال حياته وتوليه المكانة الروحية التي يجمع المصريون أنه سوف ينعم بها طويلاً حتى بعد الرحيل.
وللبابا شنودة مواقف تحسب له على صعيد قضية القضايا العربية كلها وهي فلسطين بدءاً من موقفه التاريخ والعقائدي والسياسي من معاهدة كامب ديفيد، ولم تكن تلك المواقف مجانية أو معفاة من الضرائب السياسية، فالسادات كما قلنا من قبل نفاه الى وادي اللطرون وحدد اقامته، وان الرجل كان يعود الى ذلك المكان تعبيراً عن تحفظه على موقف ما.
أما ما يقال دور الكاريزما والتي لا يمكن تعلمها أو استئجارها أو شراؤها، سواء تعلقت برئيس دولة أو بأية مكانة روحية، فهو لا شك يضيف الى البابا الراحل بعداً آخر، فقد اجتذب نخبه من أبرز رجال الثقافة والسياسة والفكر في مصر لعدة عقود، ومنهم مسلمون على اختلاف اتجاهاتهم.
ان رحيل رجل كهذا رغم انه يتزامن مع حرائق تشمل عالمنا وأحداث صاخبة جدير بالكتابة عنه ووداعه بما يليق بمكانته!
(الدستور)