«ربيع العرب» ... «خريف النساء»

المدينة نيوز - ليست الرياح التي جاء بها "ربيع العرب"، جميعها من النوع الطيب الذي يبعث الارتياح في النفس والعقل والضمير...ثمة "ريحٌ سموم" بدأت تعصف بالنساء في بلداننا ومجتمعاتنا، وتهددهن بـ"خريف مُقيم"...ثمة ما يشي بأن ربيع العرب قد يتحول وبالاً مباشراً على نصفهن، وغير مباشر عليهن جميعاً...فالنساء اللاتي شاركن بكثافة في ثورات العرب وانتفاضاتهم، يُتركن هذه الأيام، نهباً لفتاوى فقهاء الظلام الكارهين لكل أشكال التعدد والتعددية، إلا حين يتعلق الأمر بأعداد زوجاتهم ومحظيّاتهم ؟!.
في غالبية دول الربيع العربي، لم تحظ النساء في برلمانات ما بعد الثورة والانتفاضة والإصلاح بكثيرٍ من المقاعد...مع أنهن كنّ في صدارة المنتفضين والثائرين، لقد غطين شوارع اليمن وساحاته، وميدان التحرير وروافده...شوارع درعا وحمص وساحات دمشق واللاذقية وحماة وحلب...لقد ملأن بحضورهن المدوّي شارع الحبيب بورقيبة وميادين العاصمة التونسية...لقد كنّ شريكات في المغارم، أما حين جاءت لحظات قطف الثمار وحصد النتائج، انكفأ المجتمع العربي إلى ذكوريته وأبويته المعهدوتين، وعادت النسوة إلى بيوتهن ومخادعهن وأقفاصهن.
في تونس، يُفتي أحدهم بضرورة إباحة تعدد الزوجات، فإن تعذّر ذلك، فلا أقل من تفعيل قاعدة "وما ملكت أيمانكم"...إنهم يريدون إعادتنا إلى عصر الجواري والقيان...لا وظيفة للمرأة في عرف هؤلاء سوى إشباع نزواتهم وغرائزهم التي لا حدود لها...إنهم ينظرون للنساء من نقطة التقاء الشهوات فقط...هكذا هي الصورة بلا "تزويق" أو "رتوش"....هكذا هذه المسألة من دون محسنات لفظية وبديعية.
وفي المغرب، يخرج علينا من يدافع عن المادة 475 من القانون المغربي، التي تتيح لمغتصبي النساء، حتى القاصرات منهم، أن يفلتوا من العقاب بقبولهم الزواج من ضحاياهم....لكأنهم يريدون مكافأة المجرم على فعلته النكراء، ومعاقبة الضحية مرتين....إلى أن أقدمت أمينة الفيلالي (16 عاماً) على الانتحار بسُمّ الفئران، مؤثرة الموت السريع بهذه الطريقة البشعة، على الموت البطيء، وبطريقة أبشع، في أحضان مُغتصب القاصرات، لتفتح بموتها صفحة جديدة في نضال المرأة المغربية والعربية في سبيل حقوقها وكرامتها وإنسانيتها.
وفي مصر، يناقش مجلس الشعب الجديد، مجلس الإخوان والسلفيين، تفعيل قاعدة "حد الحرابة" التي تشتمل على لائحة من العقوبات، تبدأ بتقطيع الأطراف ولا تنتهي بالصلب والرجم، في ردة عن عصرنا الراهن، لمئات السنين إلى الوراء، وفي محاولة لجعل القضاء المصري، أقرب ما يكون إلى "السلخانة" وفقاً للتعبير المصري الدارج.
وفي العراق، تطارد قوى الإسلام الشيعي المتطرف من يعرفون بشبّان وفتيات "الإيمو"، و"الإيمو" نوع من موسيقى "الروك" يربط مناهضوها بينها وبين "عبدة الشيطان"، وبصرف النظر عن الموقف من هذه "الصرعة"، فإن عاقلاً لا يمكنه أن يجيز مطاردة أنصارها بهذه الوحشية، حيث سُجل قتل العديد من الشباب، بخاصة الفتيات، رجماً بالحجارة والطوب حتى الموت، وسحلاً على امتداد طرقات مدينة الصدر وأزقتها، لتنتشر الظاهرة في عددٍ من الحارات العراقية التي تحوّلت إلى معاقل لأنصار أكثر التيارات الأصولية تشدداً.
وفي سوريا، كانت النسوة أولى ضحايا العنف الطائفي والمذهبي...الاغتصاب يسبق القتل والتنكيل دائماً...هكذا تبدأ القصة حين يبدأ الخطف والقتل "على الهوية"...وثمة ما يؤكد أن "المدرسة العرعورية" أفتت لمجاهديها بجواز سلب الأموال وانتهاك الأعراض وسبي النساء واستباحة المحرمات، ولم لا تفعل ذلك، طالما أن "الآخر" في الوطن، هو "الكافر" و"الخارج عن الملة"، لا عهد له ولا معه: "المسيحي إلى بيروت...والعلوي في التابوت"...أليس هذا واحدٌ من شعاراتهم التعبوية المذهبية المبكرة ؟!.
نحن قلقون على مصائر مجتمعاتنا في ظل تنامي نفوذ الحركات الأصولية الأكثر تشدداً...نحن قلقون على مستقبل النساء في هذه المجتمعات...نحن متخوفون من تحوّل "ربيع العرب" إلى "خريف لنسائهم"...فيا نساء الثورات العربية و"الربيع العربي"...اتحدن ؟!
(الدستور)