المصالحة الفلسطينية : خطوة للأمام ... عشرة للوراء

المدينة نيوز - تستعيد الساحة الفلسطينية هذه الأيام، لغة انقساماتها الأولى...حرب البيانات والاتهامات بين الفصيلين الرئيسين: فتح وحماس، تبلغ ذروة غير مسبوقة منذ اندلاع الجدل حول “جولدستون” و”وثائق المفاوضات الفلسطينية”...رموز من فتح تتهم حماس (فرعها الغزّي) على وجه الخصوص، بالانصياع لأجندة إيرانية رافضة للمصالحة الوطنية....رموز من حماس، تتهم السلطة والرئاسة، بالتآمر على غزة وحكومة حماس فيها...وأزمة الكهرباء والمحروقات في القطاع المحاصر والمجوّع، تسهم في “كهربة” الأجواء وتسميمها، و”تحرق” ما وصف بأنه أفضل فرصة لإتمام المصالحة، بعد اتفاقات القاهرة واجتماعاتها، وفي ضوء إعلان الدوحة وتوافقاته.
لكأننا نمضي خطوة للأمام، كي نعود عشر خطوات للوراء، بخلاف دارج القول: “خطوة للخف كانت..من أجل عشر للأمام”...لكأنه يُراد للشعب الفلسطيني في الوطن المحتل والمحاصر، وفي الشتات والمنافي، أن يظل أسير مناخات الأزمة والانقسام والإحباط واليأس...فتكون النتيجة، أن هذا الشعب يوسع دائرة “النأي بالنفس” عن فصائله وقياداته، ويشرع بالانفضاض من حول الفصيلين الرئيسين بشكل خاص، من دون أن تلوح في الأفق، وهذا هو الجانب الأخطر من المسألة، بوادر نهوض جديد، لطرف ثالث أو قطب جديد.
في مثل هذه المناخات المريضة، تنتعش دوماً الأصوات النشاز، ويجد “نهّازو الفرص” و”الناعقون في الخراب” ضالتهم المنشودة، فيبدأون بإشعال حملات التحريض والفرقة والانقسام، ويخرجون ألسنتهم التي لم تعتد الحديث بطيب الكلام، ليقولوا لنا: ألم تروا؟...ألم نقل لكم؟...”ذنب الكلب أعوج حتى وإن وضع في قالب مستقيم لمئة عام”...هؤلاء مبثوثون على ضفتي الانقسام الفلسطيني، هؤلاء يرتبطون بشبكة مصالح أنانية وانتهازية ضيقة، نمت على جذع الانقسام اليابس، ولا تتغذى إلا بالطحالب والأعشاب والعوالق التي تحيط به.
والمؤسف حقاً، أن هؤلاء، وهؤلاء فقط، هم من يتصدر المشهد الخطابي والإعلامي الفلسطيني هذه الأيام، بعد أن غاب صوت العقل والحكمة و”المصالح العليا” الذي جاء باتفاقات القاهرة وتفاهمات الدوحة، مخلياً الساحة مجدداً، لصوت المصالح الأنانية، فردية وفصائلية، وصوت الأمر الواقع الذي يراد تأبيده وإدامته، لكأنهم يريدون لفلسطين أن تكون شرقية وغربية، على طريقة باكستان الشرقية والغربية، قبل أن ترى بنغلاديش النور، مع الاعتذار من الباكستان والباكستانيين، فكل المساحة التي يقتتل فوقها الإخوة الأعداء، بكل سكانها، لا تعادل ضاحية من ضواحي إحدى المدن الكبرى في البلد الإسلامي الشقيق.
أين الرئيس محمود عباس...نحن لا نسمع له صوتاً قوياً لوقف هذا الانحدار والتراجع عن روح القاهرة ونصوص الدوحة...لا نرى له مساهمة جوهرية في معالجة “ظلام غزة وبؤسها”...أين رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل...أين دوي صوته المجلل ذوداً عن المصالحة ودفعاً باتجاه الوحدة وترتيب البيت...نحن لم نعد نسمع منه سوى تصريحات دبلوماسية على هامش زيارة لهذه العاصمة أو لقاء رفيع في تلك....أين قناة عباس – مشعل وكيمياء الرجلين التي قلنا فيها أنها ضمانة المصالحة ورافعة الوحدة...هل تعطلت الكيمياء وسدت القنوات، وتباعدت المسافات...هل سيطرت قوى الانقسام والاتهام والتنابذ على آليات صنع القرار هنا وهناك...هل تبدلت موازين القوى في رام الله وغزة (بعد دمشق)...ما الذي يجري، ولماذا التلكؤ عن إدراك ما يمكن تداركه ؟!.
لا بد من مبادرة إنقاذية، تبدأ بوقف التدهور واستعادة زخم المصالحة المفقود...لن ننتظر كوفي عنان ليفرغ من مهمته السورية، حتى يتفرغ لمهمة فلسطينية في “التقريب” بين الإخوة الأعداء...ولهذه المبادرة الحيوية والملحة، مساران متوازيان: الأول، ويتمثل في إعادة تفعيل قناة عباس – مشعل، فوراً ومن دون إبطاء...فلا داعي أن تكون لقاءات الرجلين على طريقة “القمة العربية”، وهما ليسا بحاجة لكل هذه التحضيرات الشاقة والمعقدة، وليس مطلوباً من كل لقاء أن ينتهي إلى اختراق...تواصل اللقاءات واستمرارها ودوريتها، كفيل بتذليل كافة العراق.
أما المسار الثاني، والذي ستترتب عليه نتائج إيجابية ومضمونة، ولكن على المدى المتوسط والبعيد، وليس المباشر من أسف، فهو مسار الشارع وحراك قواه الشبابية الضاغط باتجاه الوحدة وإنهاء الانقسام وتفعيل الحركة الوطنية الفلسطينية وإصلاح هياكلها وتبني استراتيجيات مُقاوِمة في مواجهة الاحتلال والاستيطان والجدران.
كان من المفترض أن يشهد أيار / مايو المقبل، إجراء انتخابات فلسطينية عامة، رئاسية وتشريعية و”مجلس وطني”...سنكون محظوظين، إن جاء موعد ذاك الاستحقاق، وقد نضجت الظروف لإجراء لقاء نوعي جديد بين فتح وحماس، عباس ومشعل، فأي عبث هذا؟
(الدستور)