ربيع الشعوب .. وربيع الزعماء

انعقدت القمة العربية الثالثة والعشرين في بغداد يوم الخميس 29 آذار ، وهي تكاد تكون في حالة غياب عن ما يجري على الأرض العربية من أقصاها إلى أقصاها. انعقدت، و ما زال الزعماء” يتكلمون عن الآخر”، وكل منهم يدعو إلى الاقتداء بتجربة بلده، و كأنه قادم من السويد أو سويسرا. انعقدت ولا تزال الصورة الشهيرة للقذافي و مبارك وصالح وزين العابدين وهم يقفون كتفاً لكتف عالقة في ذهن المواطن العربي. وتلك العبارة التي قالها القذافي منفعلا و مستهزئا :( ترى لا تفكروا... الدور جاي عليكم ......واحد واحد ). وكان يعتقد انه الناجي الوحيد، ولن تصله رياح التغيير والاقتلاع بعد ( 42 ) سنة من الحكم النرجسي الدموي الجاهل، والتسلط العبثي على مقدرات دولة بكاملها .
لم يكن المواطن العربي على مدى السنوات يبدي أي اهتمام حقيقي بمؤتمر القمة،و الذي تحول إلى مجرد لقاء دوري اضطراري:لا دسم فيه،و لا قيمة له,ولا إنجاز يؤمل منه، ولا قرارات تصدر عنه لتعبر عن تطلعات الشعوب . لم يشعر المواطن العربي أن القمة تمثل دولا بمؤسساتها وشعوبها، بقدر ما هي قمة حكام بأشخاصهم ومرافقيهم . ولم يلمس أنهم يبحثون أبدا في المشكلات التي يعاني منها، ولا الحالة المزرية التي أوصلوه إليها، من خلال سوء الإدارة، والتسلط و الاستبداد، والفساد و إفشال الدولة بكاملها.
و ما زال المواطن العربي ينظر إلى الصور واللقطات التلفزيونية بشيء من الاندهاش،، ويتساءل : هل يدرك هؤلاء المتوافدون المجتمعون، المبتسمون المتصافحون المتعانقون،المتأنقون المتجملون، المرفهون المتحدثون، المتصارعون ،المتكارهون المتوادون، والمتسابقون ، الباحثون عن الشرعية خارج بلادهم .... هل يدرك هؤلاء كم هي نسبة الفقر فــي أقطارهم وكم نسبة البطالة بين شبابهم وشاباتهم ؟ وكم هي ضعيفة صناعتهم ؟ و مهشمة مهمشة زراعتهم ؟، و بائسة مدارسهم؟،و محرومة أريافهم و بواديهم؟ هل يدركون كم هو مؤشر الحرية في بلادهم؟ و مؤشر التقدم العلمي؟ والتطوير التكنولوجي؟ والإبداع ؟ وأين تقع بلدانهم على مؤشر الديموقراطية ومؤشر الشفافية؟ ومؤشر الفساد ؟ هل يدرك هؤلاء أن العلم والتكنولوجيا والعولمة والمعلومات جعلت كل شي معلوما مكشوفاً رغم التكتم؟ ، بما في ذلك الحسابات السرية، والأراضي، والشركات التي يقيمونها لأقربائهم وأصدقائهم ؟ هل يدرك هؤلاء أن العالم بأسره يتقدم إلى الأمام بسرعة ؟ وهم يدفعون بلادهم إلى الوراء فلا انطلاق لطاقات الشباب، ولا إبداع ولا اختراع، ولا إنتاج ولا غذاء، ولا ماء ولا دواء ولا طاقة إلا في أقل الحدود.... ولولا الاستيراد و النفط لكانت هذه المنطقة على حال أفريقيا جنوب الصحراء .ألا يتدارس هؤلاء تقدم تركيا وسنغافورة؟ والصين والهند والبرازيل والأرجنتين، وانطلاقها على طريق التصنيع بينما هم يحتفلون بلقائهم السنوي، فقط، لتثبيت زعامتهم. ألم يتساءل هؤلاء لماذا لا توجد مشاريع مشتركة بين هذه الأقطار : لا صناعات ثقيلة ولا شبكات سكة حديد ولا شبكات مياه أو غاز أو نفط إلا بالحدود الدنيا.
وحين ينظر المواطن إلى المرافقين يتساءل، ألا يحتاج زعماء العرب إلى العلماء، والخبراء، والمفكرين والمثقفين؟، لكي يرشدوا من قراراتهم، ويخففوا من غلوائهم في السياسة على حساب كل السياسات والبرامج؟ ألم يسمع الزعماء وعلى مدى أربعين سنة بشيء أسمـــــــه الديموقراطية؟ والحاكمية الجيدة، والمشاركة الشعبية؟، ومنظمات المجتمع المدني وتداول السلطة؟ وحقوق الإنسان و المواطنة والحرية؟ ألم يسمع هؤلاء بشيء أسمه تطوير الأرياف وتنمية الأطراف؟ وخلق العواصم الاقتصادية والثقافية المتعددة؟ بدلاً من العاصمة الواحدة التي يتكدس فيها كل شيء ليكون تحت تصرف الزعيم.
ألا يتساءل هؤلاء و هم يزورون الدول المتقدمة : متى تتحول بلادنا إلى بلاد جميلة متقدمة؟ ينعم الطفل فيها بالتعليم الجيد العصري في مدرسة جميلة وقرية منتجة سعيدة ؟ والإجابة سالبة دائماً. إذ أن ما يشغل القمة هو ذاتها و ذواتها .
لقد آن الأوان أن يقع التغيير، وأن يدرك الجميع أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء. وإن حواجز الخوف قد انهارت، وإن ثورة الوعي والحقوق قد انطلقت. فلا يستغبى أحد شعبه أبداً.ولا يتذاكى ولا يتباكى بأن بلاده غير مؤهلة للديمقراطية، وأن خصوصيتها تمنع الحرية والمؤسسية ودولة القانون و العدالة الاجتماعية. لقد آن الأوان لإصلاح مؤسستين عربيتين أصلاحاً جذرياً الأولى مؤسسة القمة. لتتحول من قمة زعماء وقمة استعراض، إلى قمة أوطان وقمة عمل، تعبر عن مصالح الشعوب العربية وتطلعاتها بالتعاون العربي والتشارك العربي في إطار من الحرية و الديموقراطية. وهذا يعني أن التحضير للقمة يجب أن يأخذ منحى موضوعياً حقيقياً مرتبطاً بمصالح المواطنين ومعبرا عنها بمشاريع وقرارات ملزمة،ابتداء من فك الحصار على غزة و انتهاء بتصنيع الاقتصادات العربية و بالمشاريع المشتركة .الثانية مؤسسة الجامعة العربية والتي ينبغي أن تتحول إلى مؤسسة للشعوب العربية على غرار الاتحاد الأوروبي تبحث في مصالح الشعوب وتدفع الزعماء للالتزام بذلك. و تجري البحوث و الدراسات ،وتصدر البيانات والمعلومات والمؤشرات الدقيقة عن الحالة العربية فـي جميع أبعادها . و تتعاون مع منظمات المجتمع المدني لتحسينها
إن الربيع العربي هو ربيع الشعوب لتستعيد كرامتها،وتعيد بناء حياتها بالجهد والعلم والمثابرة والتضحيات، بعيداً عن التسلط والاستبداد . وإن ربيع الزعماء هو أن يتغيروا و تتغير قمتهم في الجوهر، وتتحول إلى قمة شعوب. فالقوى الأجنبية لا تحمي سوى مصالحها، ولا تراهن إلا على الحصان الرابح. و المستقبل لا يعرف الجمود . ( الدستور )