انقلابات عسكرية وثورات برتقالية

بعد الحرب العالمية الثانية, انتبهت الادارة الامريكية لأهمية الشرقين العربي والاوسط في الصراع الدولي واطرافه من القوى الهابطة (بريطانيا وفرنسا) ومن القوى الجديدة (روسيا) واصدرت اكثر من مرسوم رئاسي (استراتيجي) لمتابعة ذلك ركزت على استبدال القوى القديمة المرتبطة بالاستعمار القديم بقوى جديدة مرتبطة بها (الاستعمار الجديد) وذلك في سياق الصراع مع بريطانيا وفرنسا والاستحواذ على نفوذهما فيما عرف بسياسة او مبدأ ملء الفراغ.
وفي الوقت نفسه مع روسيا الشيوعية من التقدم الى المياه الدافئة فيما عرف امريكيا بسياسة او مبدأ مكافحة الشيوعية.
وقد نوعت امريكا ادواتها لتنفيذ هذه السياسة بين مجموعة من الانقلابات العسكرية وتنشيط بعض الاوساط الاسلامية والليبرالية. فمن جهة جاء اول انقلاب عسكري في سورية لتمرير خط التابلاين (رد عليه الانجليز والفرنسيون بانقلابات مضادة) كما دخلت امريكا على خط ثورة الضباط في مصر 1952 على قاعدة التحالف ضد الانجليز, قبل ان ينقلبوا على الامريكان ويتحالفوا مع موسكو..
ومن جهة ثانية لعب الامريكان دورا كبيرا في تأسيس منظمة الحلف الاسلامي .. ومن جهة ثالثة, وكما جاء في كتاب (من يدفع للزمار) للباحثة البريطانية- فرانسيس سوندرز تبين ان ناشطين في مجال حقوق الانسان والمنظمات غير الحكومية كانوا عملاء للمخابرات الامريكية وكان بينهم ايضا عدد من المثقفين المعروفين.
ذلك ما كان عليه الوضع في خمسينيات القرن الماضي, اما الوضع في السنوات الاخيرة, فيبدو ان التحديات الجديدة امام الامريكان قادتهم الى خيارات اخرى. ففي مواجهة قلب العالم الجديد (الصين) والتحالفات الاقليمية الكبرى (بريكس- البا وغيرها) وفي مواجهة خطر التفكك الداخلي الذي اشار له بريجنسكي في كتابه (امريكا بين عصرين) وفي مواجهة تفاقم الازمة البنيوية للرأسمالية المالية الامبراطورية (الامبريالية) فان حصة الشرق العربي والاوسط من هذه الخيارات, هو التفكيك والفوضى وعزل مناطق الثروات للاستئثار بها وفرض حماية دولية عليها برقة, دار فور, الساحل السوري.. الخ (حيث النفط والغاز وخطوط التجارة الدولية)..
وعوضا عن الانقلابات العسكرية فان الفوضى المذهبية والجهوية هي الخيار الملائم الذي يجري تسويقه بقناع اخر (الثورات الملونة) من اجل الديمقراطية, يخدم المصالح الامريكية من جهة ويخدم مصالح العدو الصهيوني من جهة ثانية لكن ليس عبر اتفاقيات وهدنة طويلة على حدود قابلة للاشتعال, بل عبر مناخات وفوضى مذهبية وجهوية قابلة للاشتعال والتدمير الذاتي . ( العرب اليوم )