هل هي «وقعة» الشاطر؟

عد فوزهم وعلى ذلك النحو غير المتوقع لدى التيارات السياسية الاخرى اعلن الاخوان المسلمون في مصر ان فوزهم لن يتحول الى فعالية بقدر ما يكون مشاركة، وانهم لن يتقدموا بمرشح للرئاسة واستطاعوا الى حد ما تهدئة المناخ السياسي الذي كان شديد التوتر غداة اعلان الفوز.
وقد تابعنا قادتهم ومنهم رئيس مجلس الشعب الدكتور الكتاتني والمرشد السابق مهدي عاكف واخرين وهم يتعهدون بعدم التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية، حفاظا على حد ادنى من الوئام الوطني ونأيا عن احتكار النظام بكل مؤسساته الكبرى، لكن سرعان ما كانت المفاجأة اشبه بقنبلة سياسية واعلامية احدثت دويا هائلا في مصر، وقد يتردد صداها الى زمن طويل.
الاخوان المسلمون في مصر عمرهم السياسي ثمانون عاما، لكنهم لم يقولوا بانهم سئموا تكاليف الحياة السياسية ومن يعش ثمانين عاما لا ابا لك يسأم كما قال الشاعر الحكيم زهير بن ابي سلمى، دفعوا خلال تلك الفترة اثمانا باهظة لمواقفهم سجنا وتشريدا ومصادرة اموال، اما البداية فكانت بمثابة الحجر الاساس لهذه التراجيديا وهي اغتيال مؤسس الحزب حسن البنا.
البعض يرون بان هذه الخطوة - القنبلة هي اشبه بوقعة الشاطر، وتشاء المصادفة ان يكون اسم المرشح للرئاسة خالد الشاطر المهندس ورجل الاعمال الذي سجن مرارا، وكان من ابرز الشخصيات الاخوانية التي طوردت في عهد الرئيس السابق والشاطر سواء كان مرشحا للرئاسة من الاخوان او في اي مجال اخر يقع ايضا، لكن كما يقول المثل العربي تكون وقعته كبيرة، فهل كانت استجابة الشاطر لهذا الترشيح قرارا حزبيا لا يناقش ام ان الاخوان احسوا بان هناك فرصة قد لا تقبل التكرار على هذا النحو غير المسبوق؟
ولا ينفصل هذا الترشيح عن تشكيل لجنة الدستور، فثمة من انسحبوا او جمدوا عضويتهم في هذه اللجنة، وهم ليسوا اطرافا هامشية بل من صميم المتن السياسي والاجتماعي والديني في مصر بدءاَ من الازهر حتى الكنيسة، مروراً بتيارات ليبرالية مستقلة.
ان ما حدث الآن في مصر قد يجرّ البلاد والعباد الى صراعات تدفع الثورة الى الانقضاض على نفسها، فالثورات كما هو معروف قد تأكل أبناءها، لكن ليس في هذا الوقت المبكر الذي يجمع فيه المصريون على ان الثورة لم تكتمل بعد، وان أهم فصولها لم يُنجز.
ان حزباً عريقاً وعانى الخطر والاقصاء لعقود، كان المتوقع منه ان يكون أشد حذراً في التعاطي مع هذه القضية الملتهبة، وان يكسب ثقة الناس بعد ان تدفقوا على صناديق الاقتراع لانتخابه بما يقارب الاجماع.
اما السؤال الاكثر تداولاً الآن في الاوساط السياسية والميديا فهو لماذا بدل الاخوان موقفهم من الترشح للرئاسة؟ وهل هناك ما يجري وراء الكواليس قد فرض مثل هذا التغير الدراماتيكي؟
ما يقال كثير، ومنه ما يشير الى مقايضات وصفقات سياسية داخل مصر وخارجها، لكن مصر لا تحتمل الآن المزيد من التشظي السياسي، والتآكل في وقت تحتاج فيه الى التكامل والشراكة الوطنية فالعبء باهظ، واحتكار السلطات كان من أسباب اندلاع الثورة، كما انه تحول الى فوبيا شعبية في مصر بمختلف أطيافها! ( الدستور )