مأزق «إخوان» مصر!

يقال إن ما دفع إخوان مصر إلى التراجع عمَّا كانوا ألزموا أنفسهم به بعدم تقديم مرشحٍ منهم إلى انتخابات رئاسة الجمهورية واختيار نائب مرشدهم العام خيرت الشاطر لخوض هذه المعركة التي يعتبرونها مصيرية وحاسمة يعود إلى الخوف من أن غالبية أصوات مؤيديهم وبعض أعضاء «جماعتهم» وحزبهم ،حزب العدالة والحرية، ستذهب إلى أحد رموز الجماعة السلفية وحزب النور الذي هو حازم أبو إسماعيل الذي يحظى بشعبية ليست بسيطة في أوساط الفئات المصرية المتدينة الفقيرة.
لقد غير هؤلاء رأيهم وارتدُّوا على ما كانوا ألزموا أنفسهم به لأنهم توصلوا إلى قناعة بأن فوز السلفي (أبو إسماعيل) الذي ستذهب إليه حتماً أصوات الذين لن يعطوا أصواتهم لأي من المرشحين غير الاسلامويين سيشكل نكسة قوية لجماعتهم وحزبهم وسيضيع عليهم فرصة تاريخية إن هي ضاعت فإنهم لالتقاطها مرة أخرى بحاجة إلى كفاح ونضال سنوات عديدة.
ولهذا فقد جاء قرار خوض هذه المعركة المصيرية بعد فترة تردد طويلة وبعد مراجعات ومناقشاتٍ واستشارات ربما مع المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية وربما أيضاً مع بعض الجهات الأميركية والأوروبية فوصول قياديٍّ من الإخوان المسلمين إلى موقع رئاسة الجمهورية وفي دولة كمصر تعتبر ركيزة أساسية في معادلة الشرق الأوسط مسألة ليست بسيطة وبخاصة أن مِنْ بين هؤلاء من لا يزال متمسكاً بتوجهات سيد قطب «التكفيرية» ومن لا يزال يتعاطف مع «القاعدة» وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري ويرفض كامب ديفيد وأي علاقات مع «الدولة اليهودية الصهيونية»!!.
لم يتم التوصل إلى هذا القرار بسهولة فتيار الشباب رأى أن الوصول إلى موقع رئاسة الجمهورية لا يزال مبكراً وهو رأى أيضاً أن هذا سيلزم «الجماعة» وحزبها حزب العدالة والحرية بتحول كالتحول الذي أعلنه قبل أيام قليلة «إخوان» سوريا حيث ألزموا أنفسهم بالدولة الديموقراطية وبالتعددية وبدولة المواطنة التي تساوي بين كل المكونات الاجتماعية والتي يحق فيها للمسيحي الوصول حتى إلى موقع رئاسة الجمهورية وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة سواء كانت مسلمة أم مسيحية.
لكن ورغم ذلك فإن تيار «الشيوخ» ،الذين يوصفون في مصر بـ»العواجيز»، قد ألقى بكل ثقله في اتجاه خوض هذه المعركة التاريخية ولسان حاله بيت الشعر القائل:
إذا هبَّت رياحك فاغتنمها
فإن الخافقات لها سكون
وهذا يعني أنهم أقدموا على مغامرة غير مضمونة العواقب فقد يخسرون وحدة جماعتهم وحزبهم ويخسرون بعض أنشط نشطاء رموزهم كما خسروا عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب وأخيراً كمال الهلباوي وقد يخسرون أيضاً هذه المعركة فتكون هذه هي الطامة الكبرى التي يزداد الحديث عنها الآن في الأوساط المصرية المعنية.
وبالنتيجة فإن تقديرات المتابعين لهذه المسألة في مصر وخارجها هي أن «الإخوان» بهذه الخطوة التي اتخذوها قد وضعوا أنفسهم أمام اختبار تاريخي سيكونون خاسرين فيه في كلتا الحالتين سواء فاز «شاطرهم» وأصبح في موقع رئيس الجمهورية او خسر هذا الشاطر وفاز آخر غيره إنْ من المحسوبين على التيارات الإسلامية الأخرى وإنْ من المحسوبين على التيارات العلمانية والليبرالية.