مع الحكومة أم الشعب؟!

لدينا عقدة موروثة من العهد العثماني البائد مضمونها أن الحكومة والشعب على طرفي نقيض ، فقد كانت العلاقة بين المواطنين والدولة العثمانية علاقة نهب متبادل ، ولذلك استقر في ضمير الشعب أن نهب المال العام ليس جائزاً فقط بل هو عمل صحيح لمن يستطيعه ، ويستحق من يقوم به إعجاب الناس.
لم تكن هناك علاقة بين الضرائب المفروضة على الناس والخدمات العامة ، فالحكومة لا تكاد تقدم خدمات تذكر ، ولكنها تستولي على أموال الناس باسم المسقفات وتعداد المواشي وضرائب الأراضي الميري لتمويل حروب لها أول وليس لها آخر ، وفي حالة كهذه فإن التهرب الضريبي يثير الإعجاب.
المفروض أن هذه العلاقة الشاذة انتهت بعد أن أصبحت الحكومات في خدمة الشعب ، وصار المال العام مال كل الناس ، وديون الحكومة عبء يتحمله الشعب بشكل ضرائب أو ارتفاع أسعار أو خضوع للشروط.
من الصعوبـة بمكان تغيير القناعات الراسخة في الضمائر عبر الأجيال ، ولكن لا بد من نشر الوعي بضرورة إقامة علاقة صحية ، تفهم أن الحكومة جاءت بناءً على إرادة الناس لخدمة الناس ، وأن خدمة الناس بشكل أمن داخلي وخارجي ، وتعليم وصحة وطرق وسدود ومدارس وسجون وإشراف على النشاطات التجارية والاقتصادية والاجتماعية وتأكيد العدل والمساواة ، كل هذا له تكاليف متزايدة تمولها الحكومة بالضرائب والرسوم التي يدفعها الناس عن طيب خاطر فهي واجب وطني لا يجوز التهرب منه.
وإذا كان ممكناً التهاون مع الانحرافات وسوء الفهم التي قد يرتكبها العامة ، فإن من غير الجائز قبول هذه الانحرافات من النخبة ، وخاصة من أولئك الذين يتصدون لتوجيه الرأي العام ويظنون أن انحيازهم إلى الشعب يستوجب طعن الحكومة وابتزازها.
يظن أحدهم أن انتقاد الدعم الشامل للمحروقات مثلاً دلالة على أن الناقد يقف مع الحكومة ضد الشعب ، وهو يعلم أن هذا الدعم ممول بالمديونية التي يجب أن يسددها الشعب ، أي أن الدعم الشامل يأخذ من الجميع لمنفعة من يستهلك أكثر ، مع أنه الاقل استحقاقاً للدعم.
المديونية عبء على المواطنين وليس على الحكومة ، فالوزراء لن يسددوا الديون من جيوبهم ، بل من جيوب المواطنين ، وعجز الموازنة ليس مشكلة حكومة معينة بل مشكلة شعب ووطن.