استحضار حالة تاريخية!

يعود بنا المؤرخ آفي شليم في كتابه الحائط الحديدي الى لبنان والفلسطينيين وسوريا والاردن, ايام الغزو العسكري الصهيوني لجنوب لبنان, وبيروت, وانتشاره حتى الطريق العريض الواصل بين دمشق والعاصمة اللبنانية. فقد كان شارون يملك عقل البلطجي, وبزة وزير الدفاع, وأحلام أدولف هتلر في اعادة تشكيل المنطقة:
- فقد اراد في لبنان ضمان رئاسة بشير الجميل.
- وأراد إخراج منظمة التحرير الفلسطينية الى ابعد مكان ممكن.
- وأراد ضرب الجيش السوري في لبنان, ودفعه الى الانسحاب لما وراء البقاع.
- واقتلاع اللاجئين الفلسطينيين من لبنان وزرعهم في الاردن!!
.. وقتها, نجح شارون, وسط ذهول الحليف الاميركي والعالم, في تنصيب الجميل, واخراج منظمة التحرير من لبنان. وهنا يصبح من المطلوب بعض التفصيل. فقد طلب وقتها من المصريين التوسط لاقناع عرفات باعادة منظمة التحرير الى الاردن. وقال وقتها ان عرفات لو وافق على ذلك, فإن اسرائيل سوف تجبر الملك الحسين على فتح حدوده, وقال شارون متبجحاً – والكلام لأفي شليم – ان كلمة مني سوف تجعله يحزم حقائبه. وكان رد عرفات الفوري: إن الاردن ليس وطن الفلسطينيين. إنك تحاول استغلال محنة الشعب الفلسطيني بتحويل نزاع فلسطيني – لبناني الى خلاف فلسطيني – اردني.
وقال عرفات رداً على دعوة التوسط المصري إن شارون يحاول خلق صراع اردني – فلسطيني لاعطاء حجة لاسرائيل لاحتلال الضفة الشرقية وحين سمع شارون هذا الكلام رد بالقاء اللعنات بلغة عربية غير واضحة.. ويدعي انه يفهمها.
وقتها:
- خرج من لبنان 8500 مسلح فلسطيني. وقام الفلانج بمذبحة صبرا وشاتيلا, «لاقناع» الفلسطينيين بالذهاب الى الاردن!!
- تم تدمير كل صواريخ سام 6 التي نصبها السوريون في المناطق الحدودية, وتم فصل القوات السورية في بيروت عن تجمعها في البقاع. وتم اسقاط 98 طائرة ميغ, وفرض الاحتلال الاسرائيلي مفاوضات مباشرة على اللبنانيين ووصلوا الى المعاهدة المشهورة بمعاهدة أيار.
كان الجو مظلما في المنطقة فمصر تتجرع العزلة وكامب ديفيد، والعراق في حرب مع ايران، ومع ان اعصاب عرفات كانت فولاذية اذ صرح وهو على ظهر الباخرة التي أقلت «حكومة المنظمة»: انني اغادر الى تونس، ولكنني ارى مآذن القدس واجراس القدس.
ولعل تلك الايام تذكرنا ايضا بالتحالف الاردني – السوري، وبمحاولات الملك حسين رحمه الله جمع صدام حسين وحافظ الاسد في احدى قواعدنا الجوية في الجنوب.
وكان هناك صمود من نوع اخر:
- فقد تم اغتيال رجل اسرائيل بشير الجميل.
- وتم الغاء «معاهدة أيار» التي اسماها الاسد بمعاهدة الاذعان.
- واستقال وزير الخارجية الاميركية الجنرال هيج.
- واستقال وزير الدفاع ارئيل شارون.
وعادت المنطقة الى التوازن في نهاية عام 1983، وأذكر انني كنت ارافق المغفور له جلالة الحسين في رحلة واشنطن المشهورة وأظن ان السادة مع حفظ الالقاب: زيد الرفاعي ومروان القاسم وطاهر المصري يستطيعون نقل صورة حقيقية لاجواء الادارة الاميركية بعد تخلصها من.. الكابوس.
الذين لا يعرفون عظمة الصمود الوطني في هذا البلد، هم الذين يحولونه الى بلد الفساد، والخراب، والانحطاط، وهم الذين يخرجون عليه كل يوم بالبذاءة، وقلة الوفاء، والجهل وأميّة التفكير.