نصيحة بلا جمل!

لعدة سنوات خلت ،أي منذ بدايات القرن الجديد، والإخوان المسلمون حائرون ومرتبكون فهم يتحدثون ،كما فعل أحد قادتهم قبل أيام، عن أنهم زاهدون في الحكم ولا يسعون للسلطة ثم يبادرون إلى لَحْس ما كانوا قالوه قبل أن يصيح الديك وهم اختلفوا على الشراكة «الاخوانية» مع حركة «حماس» ثم وعندما اختارت هذه الحركة طريقها واختار كلٌّ من جناحيها تحالفه «المنفعي» والسياسي بادروا إلى فك العلاقات معها لأنها شكلت تنظيمها «الاخواني» الفلسطيني الخاص بها وتركت ثوبها القديم لأصحابه الذين لا يزال بعضهم يحنُّ إلى الماضي ويرفض الاعتراف بأن «العيال كبرت» وأن هذا الماضي لن يعود!!.
مرة يشاركون في الانتخابات على أساس «الصوت الواحد» وعلى أساس غيره ومرة أخرى يستنكفون ويقاطعون وغير معروف لماذا استنكفوا ولماذا شاركوا ثم والى جانب هذا فإنهم يرفضون مماشاة حركة التاريخ وتطوره ويُصرّون ،إلاّ القلة القليلة منهم، على التمترس في خنادقهم القديمة ويواصلون وضع أكفهم فوق أعينهم حتى لا يروا أن هذا الذي يسمى :»الربيع العربي» فرض على الغنوشي ألاّ يُضمِّن دستور تونس ما كان ينادي به وهو خارج الحكم وجعل إخوان مصر يعيشون حالة الارتباك هذه التي يعيشونها حالياً حيث وعدوا الناس بشيء ثم ارتدوا على وعودهم وبادروا إلى الانخراط في سباق الرئاسة ورشحوا «المليونير» خيرت الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية.
وكذلك فإن «إخواننا» ،الذين استمروا يعيشون حالة صراع داخلي عنيف، لم يدركوا أنه آن الأوان كي تنسجم هذه «الجماعة» الاخوانية مع معطيات المرحلة المستجدة من تاريخ العمل السياسي في المنطقة وكي تعيد النظر في كل موروثها القديم وتقتدي بما فعله «الإخوان السوريون» الذين بادروا إلى التغييرات التي بادروا إليها وبخاصة في النص في ميثاقهم الجديد على دولة المواطنة التي تسمح للمسيحي والمرأة إلى تبوأ أعلى المناصب القيادية السيادية في هذه الدولة ومن بينها رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية.
ثم وان «إخواننا» لا زالوا يتحدثون عن مقدرتهم على زحف لجبٍ لتسلم كل مواقع السلطة في البلاد مع أنهم يدركون أنهم باتوا غير قادرين على حشد تظاهرة بنصف عدد ما كانوا يحشدونه أمام المسجد الحسيني قبل نحو عام وان الأردنيين قد سئموا كل هذه الأنماط من الضجيج ولهذا فإنهم ،أي «الإخوان»، قد لجأوا إلى التلطي بقوانين الانتخابات التشريعية والتمهيد لتبرير مقاطعة قد يفرضها إحساسهم بتدني شعبيتهم وإحساسهم أنهم حتى من خلال هذا القانون التعجيزي الذي يطالبون به لا يمكن أن يحققوا أفضل مما كانوا حققوه في ذروة «تألقهم» عندما كانوا الطفل المدلل في هذا البلد الذي يحق له ما لا يحق لغيره أي في انتخابات العام 1989 وانتخابات الصوت الواحد في العام 1993.
لأكثر من مرة دعونا «إخواننا» هؤلاء أن يكفّوا عن السباحة في شبر من الماء وأن يعرفوا حجمهم الحقيقي وان يدركوا أن ما يتخيلونه في واد وأن الواقع بالنسبة لمواقف الأردنيين تجاههم في وادٍ آخر وان شعار المطالب الإصلاحية هو ليس شعارهم وحدهم بل شعار غالبية الشعب الأردني وأيضاً... أيضاً هو شعار الملك عبد الله الثاني منذ تسلمه أمانة المسؤولية وشعار بعض رؤساء الوزراء ،وليس كلهم، الذين تناوبوا خلال الأعوام الإحدى عشر الأخيرة على مواقع المسؤولية.
إن هذا هو واقع الحال ،بدون أوهام ولا تقديرات خاطئة، ولذلك فإنني أتمنى أن يتواضع «إخواننا» وأن يستمعوا لنصيحة مواطن أردني لو أنهم دققوا النظر في ما بقي يقوله لهم وينصحهم به لوجدوا أنه حريص عليهم على اعتبار أنهم الحزب الأكبر في بلدنا وعلى اعتبار أن من حق شعبنا على كل من يتعاطى في الرأي العام أن يكون صادقاً وصريحاً مع هذه «الجماعة» وحتى إنْ أغضبها في بعض الأحيان بما يقوله والنصيحة الحالية وبلا لا جمل ولا ناقة أنه على هؤلاء «الإخوان» أن يدركوا أنه كما في مصر وكما في تونس وكما في اليمن فإن الشعب الأردني لا يمكن أن يقبل بأن ينفرد أي حزب من الأحزاب بالسلطة وأن يحول تصوراته إلى نصوص قانونية ودستورية تحدد مستقبل بلدنا وأجيالنا... فصيغ انفراد الأحزاب العقائدية أو البرامجية على أسس عقائدية بالحكم في دول منطقتنا ولَّت بلا رجعة.. وهذا كما أنه ينطبق على حزب البعث في سوريا وحزب حسني مبارك في مصر وحزب زين العابدين بن علي في تونس وحزب علي عبد الله صالح في اليمن فإنه ينطبق أيضاً على «الإخوان المسلمين» في بلدنا وفي كل هذه البلدان وبلدان أخرى.