تحدي .........الإصلاح

الفساد قوة متحركة في العالم بأسره، وما من جماعة بشرية، أو دولة صغرت أو كبرت، إلا ونجد للفساد فيه أنصاراً أو أتباعاً، يمارسونه في حياتهم اليومية وفي سلوكهم وينتفعون من هيمنته وسيطرته وتمكنه في تحقيق ما يريده، بسبب قوته الضاربة في أعماق المؤسسات العامة والخاصة، وفي نفسية الأفراد التي تميل إليه، بحكم طبيعة الناس النزاعة للشر والفساد والمناعة للخير والإصلاح.
وسبب نمو الفساد، أن آلية الإصلاح المتمثلة في المساءلة والمحاسبة ضعيفة تكاد أن تكون غائبة ومعدومة لا دور لها ولا وجود في وقف ظاهرة الفساد والحد منها في المجتمعات العربية، والتي بدأت تنتفض على الواقع المر الذي تعيشه بسبب فقدان دورها في المساهمة في صناعة القرار، وإبداء رأيها في نمط الحياة الذي فرض عليها بدون إرادتها ، ورغماً عن أنفها.
قبل بضعة عقود من الزمن لم تكن ظاهرة الفساد منتشرة بهذا المدى الواسع، كنت تجد أفراداً هنا وهناك هبط ذوقهم وفسدت منظومة القيم لديهم، وكان المجتمع ينبذهم، ويعتبرهم شواذاً، ولأن القيم العربية والإسلامية كانت قاعدة المجتمعات، وثقافة الأصالة والقيام بالواجب هي السائدة في علاقات الناس مع بعضهم البعض، وكان البيت مازال يقوم بدوره تجاه أفراده في حب الخير والصلاح للجميع، ومحاربة الفساد والشر باعتبار أن هذه من الكبائر التي يجب عدم الاقتراب منها.
لكن ما حصل في العقود الأخيرة أنه تسرب إلى المجتمعات العربية آفة رهيبة وخبيثة، وهي نمو ظاهرة شراهة الطمع وحب جمع المال بكل الطرق، لأن ما تصل إليه يدك من مال هو مباح وحلال لك، وأن الحرام هو الذي لا تصل إليه يدك.
وفي العقود الأخير تحول المال من قوة انتاجية وتنموية، تساهم في نمو الاقتصاد الوطني وتطوره، ويمتص جزءاً كبيراً من البطالة ويخفف من ويلات الفقر، تحول المال في هذه العقود الخيرة من دوره الاقتصادي وولدت ظاهرة ما يسمى بالمال السياسي الذي تعني تسخير المال من أجل تحقيق أهداف سياسية، ورفع قيمة من يملك المال إلى مصاف صناع القرار في السلطة التنفيذية، والتشريعية، وأن كان لا يملك قدرة على إدارة ما أسند إليه من منصب تنفيذي بسبب المال، الذي أوصلوه إلى السلطة التشريعية، التي تملك صلاحية المحاسبة والمساءلة وصلاحية سن القوانين، وقد وصل إليها بسبب المال الغزير الذي سكبه من أجل أن يحصل على موقع تحت قبة مجلس النواب.
أن المال السياسي، يخرج المال عن مفهومة كقوة اقتصادية رافعة للتنمية والتطور الحضاري، ويصبح مظهراً للوجاهة والوصول إلى السلطة، ويفقد صاحب المال شعوره وإحساسه للقيام بواجبه الوطني في أن يؤدي المال دوره في عمران الأوطان، وبذلك تضيع المسؤولية وينعدم الضمير الوظيفي، لأن صاحبه يصل إلى قمة المسؤولية بماله لا بقدرته وكفاءته وعلمه ومقدرته على كسب ثقة الناس وهنا يشكل المال السياسي تحدياً للإصلاح المنشود.
أجزم أن الإصلاح لا يبدأ لا من قانون الأحزاب ولا من قانون الهيئة المشرفة على الانتخابات، ولا من قانون الانتخابات ولكن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الإدارة في إدارة المؤسسات العامة ومن إدارة المدارس، وإدارة المستشفيات وإدارة الشركات وإدارة المؤسسات المكلفة بإدارة المرافق العامة التي تقدم الخدمات للمواطنين، إن الإصلاح يبدأ من البلديات المسئولة عن إدارة المجتمعات المحلية والتي تعتبر مجالسها المنتخبة الركيزة الأولى والأساسية للديمقراطية، لأن كل المواطنين يشاركون بانتخاب المجالس البلدية وبالتالي يساهمون في صنع القرار في محيط بلديتهم.
أن السكوت عن المطالبة بإصلاح مؤسسات الدولة الوطنية المكلفة بخدمة المواطنين يعتبر فساداً يمثل تحدياً للإصلاح الحقيقي الذي ينعكس آثاره على الوطن والشعب.
المرحلة القادمة بكل تأكيد لن تفرز مجلس نواب على مستوى المسؤولية، لأن المناخ العام مازال مأسورا للمال السياسي وللعشائرية والجهويه، وقناعة الشعب أن الذي يخدمه هو وجود مدرسة تخرج طلاباً على قدر كبير من العلم والمعرفة، لا طلاباً أقرب إلى الجهل والأمية، الشعب يريد إصلاح المستشفيات بإيجاد كوادر طبية مدربة قادرة على استيعاب حالات المرض الذي يصيب أبناء الشعب، قادرة على توفير الدواء والعلاج الذي يخفف من معاناة المرض والألم، من التحديات التي تواجه حركة الإصلاح في الأردن ثقافة الفساد التي جعلت الواسطة شجرة ضخمة تسقط ثمارها الفاسدة على رؤوس أبناء الشعب، لتنزف الدماء من الرؤوس لأن الواسطة تجعل كثيراً ممن يصلون إلى صنع القرار، لم يصلوا إلى هذه المواقع بكفاءتهم ومقدرتهم وعلمهم بل (لكرت غوار) الذي يحملونه، والذي يحرق كل الكفاءات وكل القدرات من أجل أن يوسد الأمر لغير أهلة.
ولا أغالي إذا قلت أن من سيئات الواسطة، أن رئيس الجامعة يصل إلى هذا المركز بالواسطة رغم ضعف كفاءته الإدارية والعلمية، وكذلك الطبيب لا يصل إلى مركز دقيق في التقنية والخبرة إلا بالواسطة وهذه ظواهر فساد قليل من كثير تتحدي الإصلاح الذي نريد وما أصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام. عندما قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة “( الدستور )