لا ضرورة لحوار بلا جدوى!

طالما أن الإخوان المسلمين رفضوا مشروع قانون الانتخابات وطالبوا بسحبه بعدما أشبعوه شتماً وتنديداً وتقبيحاً فلماذا كل هذه الدعوات المطالبة بالمزيد من الحوار التي تزاحمت عند أبواب مجلس النواب وعند أبواب مقر رئاسة الوزراء.. هل من أجل أن تضيع سنة أخرى في الدوران في الحلقة المفرغة التي بقي هذا البلد يدور فيها بالنسبة لهذه المسألة على مدى كل أيام السنة الماضية..؟!
هناك معطيات لأي حوار من الممكن أن يؤدي إلى نتائج ايجابية والى الالتقاء في منتصف الطريق من بينها أن يكون هناك استعداد لدى الطرف المعني بمثل هذا الحوار ،وهو الإخوان المسلمون، بمراجعة ما بقي يُصرّ عليه وأن يُظهر مرونة تُشجع الطرف الآخر على ألاّ يخشى من جولة جديدة لإضاعة الوقت في الدوران في الحلقة المفرغة التي دارت فيها ثلاث حكومات متلاحقة كانت قد سبقت هذه الحكومة التي لم تشفع لها إندفاعة البدايات تجاه «هؤلاء» في أن يكونوا أكثر مرونة وفي أن يتخلوا عن سياسة «الاستعصاء» التي بقوا يصرون عليها خلال كل السنوات الأخيرة.
كانت هناك حوارات مع «هؤلاء» إن مباشرة وإن بصورة «مواربة» في زمن حكومة معروف البخيت الثانية وفي زمن حكومة سمير الرفاعي التي سبقتها وأيضاً في زمن حكومة نادر الذهبي ولكن ومع أن «الإخوان» كانوا قد شاركوا في الانتخابات النيابية ما قبل الأخيرة فإنهم بقوا يلوذون بالسلبية المطلقة وهم ازدادوا سلبية بعدما حقق «إخوانهم» المصريون الانتصارات التي حققوها والتي يبدو أنها فاجأتهم فأصبحوا يعيشون هذا الارتباك الذي يعيشونه الآن.
ولهذا فإنه لا ضرورة لجولات حوارية جديدة مع «هؤلاء» ما لم يبدر عنهم ما يؤكد أنهم باتوا على استعداد لـ»الأخذ والعطاء» وأنهم غدوا راغبين في الالتقاء مع وجهة النظر الأخرى في منتصف الطريق أما أن نعود إلى الدوران في الحلقة المفرغة والى محاولات النحت في الصوان «الاخواني» بلا أي أملٍ وبدون أي جدوى فإن هذا مضيعة للوقت وإن هذا ضربٌ لمصداقية الوعود الإصلاحية التي أُعطيت لشعبنا وأعطيت لأصدقائنا وأُعطيت أيضاً للعالم كله.
عندما يبادر «الإخوان» إلى رفض مشروع هذا القانون والمطالبة بسحبه ووصفه بأنه مخيبٌ للآمال ،أيْ آمالهم، وعندما كانوا قد رفضوا المشاركة في لجنة الحوار الوطني وكذلك الأمر بالنسبة لأي حوار جانبي فما هي الفائدة من فتح أبواب الحوار مجدداً طالما أن هؤلاء سيرفضونه وطالما أنه لم يبدر عنهم ما يشير إلى أنهم باتوا على استعداد لتليين مواقفهم والتخلي عن إصرارهم السابق على أنهم إما أن يحصلوا على كل شيء.. وإلاّ لاشيء.. وحقيقة أن هذا ليس مضيعة للوقت فقط بل هو أيضاً إرباك للشعب الأردني وهو يضع عائقاً كبيراً أمام التوجهات الإصلاحية الجدية.
ثم وإذا كانت الحكومة تعني بـ»المُحسنات» التي تحدثت عنها قبل إرسال مشروع هذا القانون إلى البرلمان بأنه لديها استعداد مسبقٌ للتراجع والعودة إلى نقطة الصفر ،وأنا استبعد هذا، فإنه عليها أن تضمن أولاً تراجع «الإخوان» عن استعصائهم وأن تعرف حدود هذا التراجع ومدى جديته وإلاّ فإن هذه العملية كلها ستصبح كمن يبقى «يخضُّ» في الماء بلا نهاية ليستخلص ولو القليل من الزبدة وهذا سيجعل مسيرة شعب كامل معطلة ورهناً بمزاج تنظيم له كل التقدير والاحترام ولكنه لا يشكل سوى قطرة صغيرة في بحر هذا الشعب.. ولهذا فإنه لابد من حسم الأمور وبسرعة وبحيث إما الذهاب بهذا المشروع ،إن بتعديلات تجميلية وإن بغيرها، حتى النهاية وإجراء الانتخابات المقررة على أساسه وإما اللجوء إلى القوانين المؤقتة مرة أخرى وكما في المرات السابقة منذ عام1989.. أما أن تبقى الأمور «مائعة» وبلا حَسْم فإن هذا سيزيد من فقدان الدولة لهيبتها وأن هذا سيزيد من حالة الإنهاك السياسي وسيزيد من حالة التشتت الوطني التي بقي شعبنا يعيشها على مدى السنة الماضية.( الراي )