تخفيض رواتب أساتذة الجامعات
أما بعد،
فدوام الحالِ من المُحال، ولا يُنكَرُ تغيّر الأحكامِ بتغيّر الأزمان، وفيما يعيشُ أساتذة الجامعات الأردنية - الحكومية والخاصة - حلماً "رومنسيا"ً بقُرب زيادة رواتبهم زيادةً "مُجزيةً" وفاءً لوعود كثيرة قُطعت لهم تحسيناً لوضعهم في ظل متغيراتٍ كثيرةٍ أثرّت سلباً على مستوى معيشتهم وقناعتهم بالعمل الأكاديمي – غير المجدِ اقتصادياً- ، وبما أنه قد مضت سنواتٌ طويلةٌ ورواتبُ أساتذة الجامعات ثابتةٌ – بقدرةِ قادر- رغم كل التحديات واختلاف الأشياء، ولأن الأردنَ يتأثرُ - شاءَ أم أبى- بتداعيات الأزمة المالية العالمية وحالة الترقب والكساد والإنكماش التي طغت على بلادِ الله ومنها أردننا العزيز، فإن أساتذة الجامعات الأردنية - وهم نبضُ الأُمّة وأملُها ومصنعُ مستقبلها- وشعوراً منهم بثِقلِ مسؤوليات الحكومات والتحديات الهائلة التي تواجهها ليرجون الحكومةَ أن تتفضلَ مشكورةً وعلى وجة السرعةِ بإتخاذ قرارٍ يقضي بتخفيض رواتبهم تخفيضاً "مُجزياً" – للحكومةِ طبعاً- يُساهم في المحافظة على سلامة الوضع المالي للموازنة العامة للدولة ويُحقق توزاناً في ميزان المدفوعات ويُساعد الحكومةَ في تنفيذ برامجها وحُزمِها الخاصةِ بالأمان الاجتماعي و"النيابي" و "الوزاري" ويدعمُ صمودها في مواجهة الأزمة العالمية.
ورغم الشعور العارم بتواضع مساهمتهم هذه، إلا أنهم يرونَ فيها خطوةً على الطريق ونموذجا يُحتذى، وهم يتطلعون بيقظةٍ وحرصٍ وقلقْ، ويراقبون تداعيات الأزمة المالية العالمية آملين أن يُساهم تخفيض رواتبهم في التخفيف من حدة آثارها على الأردن وشعبه الطيّب الأصيلْ، على أن تقررَ الحكومةُ تخفيضاً آخر لرواتبهم إذا اقتضت الضرورة ذلك.
وإذ أعترفُ بأنني لا أملك تفويضاً من زملائي أساتذة الجامعات الأردنية للتقدم بهذا الطلب، وأعتذرُ منهم لذلك، إلا أن قناعتي بعِفة نفوس الزملاء الأفاضل، وأصالة معدنهم، وطِيبِ محتدهم، وتساميهم على "الماديّات"، تجعلني أقربَ إلى التوقعِ بأنهم يوافقونني الرأيَ والطلب. ولمَنْ يختلفُ معي في الرأي أقولُ بإحترامٍ كبيرٍ وتقديرٍ بالغ : منذ عشر سنوات ونحن ُنطالب الحكومات بزيادة الرواتب والعلاوات، فلم تتغير الرواتبُ ولا العلاوات وتغيرت أوتعدّلت حكومات وحكومات وسبحان الذي لا يتغير، فلنجرّب الأمر بطريقةٍ مختلفةٍ هذه المرّة، ولنطالب بتخفيض رواتبنا فلعلَ مطالبتنا بتخفيض رواتبنا تُسمع، فلا يبقَ مجالٌ للشكِ في أننا هنا، موجودن على هذه الأرضِ الطيّبة لنبقى ونُربي الأجيالَ القادمة ونُراهنَ على مستقبل أفضلٍ تأتي به هذه الأجيالُ.