لماذا هذه الضجة؟!

ما أن أكد مجلس النواب "الأردني" ،في التعديل الذي أجراه على مشروع الأحزاب الجديد، على منع تشكيل أي حزب سياسي "على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو فئوي" حتى استنفر الإخوان المسلمون وأخذوا يدبون ليس الصوت وإنما الأصوات على أساس أنه يستهدفهم ويستهدف "جبهة العمل الإسلامي" التي بقيت تشكل منذ تأسيسها في بداية تسعينات القرن الماضي الوجه الآخر لهم ولعملتهم السياسية.
وكل هذا مع أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية ،التي هي "الجماعة الأم" التي تتميز عن غيرها من جماعات الإخوان الأخرى بأنها هي التي تقدم المرشد العام لهذه الجماعات كلها، كانت قد بادرت فور انتصار الثورة المصرية الأخيرة إلى الإعلان عن تشكيل حزب سياسي مستقل باسم :"حزب العدالة والحرية" وهذا ما كان حصل في المغرب بتشكيل حزب العدالة والتنمية وما حصل في تونس حيث أبقى الشيخ راشد الغنوشي على اسم حركة النهضة ولكن بدون الصفة الإسلامية.
لم يطلب أيٌّ كان من جماعة الإخوان المسلمين المصرية ألاّ تعطي للحزب الذي بادرت إلى تشكيله أي مسمىً ديني إسلامي فهي لجأت ،بدون ضجيج ولا صراخ ولا عمليات ندبٍ ونواح كما فعل "إخوان" الأردن، إلى التلاؤم مع توجهات المرحلة الجديدة بعدم استخدام أي اسمٍ ديني لأي تنظيم سياسي وهي كما يبدو وتحت ضغط تيار الشباب في تنظيمها تتجه على النأي بنفسها كـ"جماعة" عن التعاطي بالقضايا السياسية التي يجب أن تُترك للحزب الذي تم تشكيله بينا تكرس هي نفسها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وللقضايا "الدعوية".
إنه لم يعد مقبولاً وعلى الإطلاق استغلال الدين من أجل السياسة فالدين لله والوطن والعمل السياسي للجميع ثم وإذا كان من حقِّ المسلمين أن يشكلوا أحزاباً سياسية باسم الدين الإسلامي فإنه من حق إخواننا المسيحيين أن يشكلوا أيضاً أحزابهم التي تحمل أسماءً دينية مسيحية فالدساتير العربية تنص كلها على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات مما يعني أنه غير جائز أن يُحرم أي مواطن من أيِّ حق على أساس ديني وأن يتميز مواطن آخر بمثل هذا الحق بحجة أن دستور البلاد ينص على إسلامية الدولة.
ربما انه لا يوجد مثل هذا الإشكال في دول المغرب العربي وأيضاً في اليمن والدول العربية الخليجية لكن ومع ذلك فإن رفض تسمية أي حزب سياسي في هذه الدول باسم ديني مبرره السمو بهذا الدين الحنيف الذي هو للجميع ،حتى بما في ذلك من غير المسلمين، عن الألاعيب والمناورات السياسية وعن استغلال عواطف البسطاء الذين ينخدعون في العادة بالتسميات الدينية سواءً كانت إسلامية أو مسيحية.
إنه لا يوجد أي استهداف للإخوان المسلمين الأردنيين بالنص في مشروع قانون الأحزاب الجديد الذي أقره البرلمان الأردني يوم الاثنين الماضي على منع تأسيس الأحزاب (السياسية) على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو فئوي طالما أن "إخوان" مصر قد بادروا إلى هذا الأمر بأريحيتهم ومن تلقاء أنفسهم وطالما أن عدوى اسم :العدالة والتنمية" التركي قد انتقلت إلى المغرب وأيضاً بحدود معينة إلى تونس والمؤكد أنها ستنتقل إلى "إخوان" سوريا والى الجماعات الإسلامية في كل مكان في حال إنشائها لأحزابها السياسية واقتصارها هي في أنشطتها على المسائل "الدعوية" التي هي ضرورية وواجبة وفي غاية الأهمية.
وبهذا فإنه مستغرب أن يبادر "إخواننا" إلى كل هذا الاستنفار والى كل هذا الصراخ والنواح والعويل والى تقمص وضعية المُستهدف والضحية بمجرد هذا التعديل الضروري والذي لابد منه إذا أردنا أن نتلاءم مع معطيات المرحلة الجديدة بعدما غشانا "تسونامي" هذا الربيع العربي كما غشا عدداً من الدول العربية أما أن يبقى حزب سياسيٌّ يُعطي لنفسه اسماً إسلامياً فإن هذا غير جائز وإن هذا استغلال للدين لأغراض سياسية وإنه إذا كان لابد من هذا فإنه يجب أن ينطبق أيضاً على إخوتنا المسيحيين شركائنا في هذه المسيرة الطويلة منذ أن وطأت حوافر خيول الفتوحات الإسلامية هذه الأوطان العزيزة وحتى اليوم. _ الرأي _