درسٌ في «الأخلاق الرئاسية»

يُصر السيد حازم أبو إسماعيل على إنكار “الجنسية الأمريكية” لوالدته، رغم الوثائق والأدلة الدامغة التي تقول بخلاف ذلك، وحتى بعد أن عرضت مفوضية الانتخابات على “نخبة من كبار العلماء” أدلتها وبراهينها التي تكذّب مرشح “التيار السلفي” لم يجد الرجل سوى من وسيلة للرد على المفوضية سوى باتهام العملاء بأنهم “خونة” ومتآمرون.
رفض أبو إسماعيل مواجهة “المفوضية”، ولم يظهر أمام “المحكمة الدستورية”، وعندما طلبت منه “هيئة علماء التيار” الثبات على موقفه، تحت القسم، امتنع عن ذلك، لقد فضل الكذب على شعبه على أداء يمين كاذب، هذا شأنه، فنحن لا دخل لنا في تقييم مستوى “ورع” الرجل، بيد أن رجلاً يبدأ مشواره السياسي، ومن موقع المنافسة على رئاسة الجمهورية، بالكذب على شعبه، لا بد أنه يثير أكثر من علامة استفهام واستنكار.
لقد أحال الرجل قضية ينبغي أن يخجل منها، إلى قضية “رأي عام وطني”، وطلب إلى أنصاره التجمع أمام مبنى المفوضية، والاعتصام هناك، “حتى تنجز الثورة أهدافها”، عن أي ثورة يتحدث هذا الرجل، وهل هو بالأصل، جزء من معسكر الثورة، أم ركن ركين من أركان الثورة المضادة.
قبل أيام، كنت في ألمانيا، وهناك سمعت من الجالية الفلسطينية قصة وزير المواصلات الذي استقال من منصبه، لأنه تجاوز السرعة القانونية على الطريق، أنظروا في منظومة “القيم الأخلاقية”، ودققوا في جدوى خطاب لا يتورع عن “الكذب على الناس، كل الناس”، والأصرار على مدّ حبل الكذب على استقامته، من دون أن يرّف له جفنٌ أو ترتعش لها شفتان، تأملوا في كل “التنظير” و”المواعظ” عن التحلي بخلق الإسلام وقيم الإسلام، وكيف تسقط دفعة واحدة، في لعبة منافسة سياسية، يعرف السيد أبو إسماعيل، بأن حظوظه في كسبها ضئيلة للغاية.
السيد خيرت الشاطر، ارتأى أن يلج المسألة من بوابة مختلفة، هو ضحية قانون “مباركي” جائر، بخلاف أبو اسماعيل الذي عُدّ “ضحية” الاستفتاء على المبادئ الدستورية الذي جرى بعد الثورة، وبإرادة حرة وطوعية من المصريين، الشاطر ارتأى أن يعطي نفسه صورة “الضحية” لنظام مبارك، ممثلاً بالمجلس العسكري ورئيس المحكمة الدستورية، وهو قرر أن يسير ملايين الناس إلى ميدان التحرير “لإنقاذ الثورة” تماماً مثلما فعل منافسه السلفي حين قرر الدفع بأنصاره إلى الساحات حماية للثورة وحتى الظفر بمختلف أهدافها.
وحده المرشح المثير للإشكال، عمر سليمان قرر الانسحاب بهدوء ومن دون ضجيج، مع أنه كان بمقدوره أن يتهم “القوى الصاعدة” بأنها ابتزت وقررت إبعاد “ثاني أهم رمز من رموز النظام البائد”، وسجّل نقطة لصالحه، حين عبّر عن “احترامه للقانون” وخضوعه لسيادته، مع أن الرجل ونظامه، لم يُعرف عنهما احترام للمواثيق والقوانين من قبل.
أياً يكن من أمر، فإن ما حصل بعد استبعاد المرشحين الكبار الثلاثة، يوفر درساً مهماً لمن أراد أن يتعلم، فالقانون السيّد، لا تعني شيئاً إن لم نرتضِ الخضوع لـ”سيادته” جميعاً، و”الثورة” ليست “شماعة” نعود لأهدافها، ونحرك الجموع من أجل إبقاء جذوتها متّقدة، خدمة لأجندات خاصة وشخصية وحزبية، وهي ليست عباءة نتدثر بها، لمواجهة “قواعد اللعبة” حين لا تأتي بما تشتهي سفننا.
والأهم من كل هذا وذاك، تلك الحكمة التي تعلمناها صغاراً عن “الصياد الذي يذرف الدفع”: “لا تنظر إلى الدمع في عينيه، بل أنظر إلى فعلت يداه”، لا تنظروا في “ورع” أبو اسماعيل الظاهر، انظروا كيف كذب على شعبه، وكيف كفّر وخوّن واتهم الناس يمنة ويسرة، بالعمالة، بمن في ذلك، شيوخ الدعوة السلفية ذاتها.