دعوة إلى فهم “فقه التمكين “..؟

فيما تتواصل دعوات تيئيس المسلمين من حاضرهم ومستقبلهم، واطلاق شتى انواع الوصفات والمواصفات على امتهم لدفعها الى الاستقالة من التاريخ او الانسحاب من العالم، لا نعدم من وجود دعوات اخرى تحاول ان تبعث في المسلمين روح النهوض، او تعيد للامة الاحساس بالثقة والامل بالمستقبل والحث على معاودة الدور الحضاري الذي انتدبت من اجله.
وصول بعض الاسلاميين الى السلطة اعاد الامل والخوف ايضا،الامل بانتعاش روح الامة،والخوف من مآلات الفشل والاستغراق في صراعات واوهام ربما تدفعهم الى الوقوع في المحذور.
ضمن هذا السياق لا بد من احياء فقه التمكين، كمدخل ضروري للتعامل مع سنن الله تعالى وما يجري في الكون من قوانين ثابتة تسري على المسلمين وغيرهم، وهي تنطلق اساسا من اعادة فهم الاسلام ومقاصده، والاسترشاد بالقرآن الكريم لمعرفة حركة الكون وسنن التداول بين الامم، حيث يفترض ان يكون الايمان باعثا على الحركة، والعبادة دافعة للعمل والسلوك، وان تتحول قوة المعنويات الى فعل، والكلام عن الاصلاح والتغيير الى واقع وعمل، وتقوية الجانبين المادي والمعنوي سبيلا وحيدا الى النهضة والشهود.
وفقه التمكين في ابسط معانيه هو اجتماع النية والقدرة والتوفيق والاصابة، وتحويل الطاقة الى قوة وفعل، ومستوياته تبدأ بالفرد وتمر بالمجتمع وتنتهي بالبيئة والمناخ، اما على صعيد الفرد فتمكينه من خلال الاحساس بالذات وتعزيز الثقة والقدرة الشخصية والتأثير لتحقيق المطلوب وهو هنا العمل الصالح، واما المجتمع فمن خلال تطور القدرة على التنظيم والعمل الجمعي والاحساس بالقوة والمنعة والقدرة على التأثير، واما المستوى البيئي فيشمل تطوير المناخات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتدعيم التمكين في المستويين الفردي والجمعي.
للتمكين - بالطبع - انواع، وقد ورد في القرآن اكثر من مرة فهو قد يكون جزئيا وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه من تأويل الاحاديث او كليا وكذلك مكنا ليوسف في الارض ليتبوأ منها حيث يشاء ومن انواعه الدعوة والتبليغ والمشاركة في الحلم واقامة الدولة، كما ان له اسبابا وشروطا منها الايمان بالله والعمل الصالح، وتحقيق العبادة بمفهومها الشامل، والاخذ بالاسباب المعنوية والمادية انا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شيء سببا في اشارة الى ذي القرنين، كما ان للتمكين مراحل وخطوات، لا يجوز استباقها او تأجيلها، سواء كانت مرحلة للدعوة او للاختيار، او للمغالبة وصولا الى التمكين والانتصار.
وتكاد الآية الكريمة التي وعد الله بها المؤمنين بالتمكين تختصر مفاهيم هذا الفقه «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا..» فالتمكين مقترن بالايمان - وما ادراك ما الايمان - وبالعمل.. ومشروط بالعبادة ونفي الشرك بأشكاله، ومتحقق بالاستمرار في الطاعة والثبات على الطريق ايضا.