.. من أوراق التذكر الوطن وليس الدولة!

تتداعى في الذهن خواطر تبعثها كشرارة في قش جاف جملة صغيرة من كلمتين او ثلاث: سوريا عراق ثانٍ!!. ففي عام 1988 دعانا زملاؤنا في اتحاد الصحفيين السوريين دعوة كريمة لعاصمة الأمويين، وكنا نعرف أن الرئيس الأسد قارئ دائم للصحف الأردنية!!.
بقينا أسبوعاً: محمود الكايد الطيب الذكر وعبدالسلام الطراونة وفهد الريماوي وأنا... وآخرون لا أذكر!!. كنا فيها واسطة عقد المسؤولين.. وانتهينا إلى أربع ساعات مع الرئيس!!.
أقرأ في ملاحظات كتبتها وقتها:
استقبلنا الرئيس السوري في القصر القديم، وكنا اختلفنا قبلها بيوم مع عبدالحليم خدام، الذي كال للفلسطينيين كلاماً لا يليق بمسؤول عربي وتصدى له زميلنا الريماوي. فالرجل كان يستقبل «صحفيين أردنيين» ولم يكن يعرف اننا كنا كلنا فلسطينيين!!.
.. على كل، وفي استمرار الهجوم على ياسر عرفات وقف الرئيس عند قصة لا بد أن أسجلها، وهي قصة الشهيد صالح العلي، مع الجنرال الفرنسي ومن شهودها والد الرئيس نفسه، في أولى سنوات الاحتلال.
أيامها كانت ثورة صالح العلي شيخ الزوية تنهك الاحتلال الفرنسي، وكان الفرنسيون قرروا تقسيم سوريا إلى أربع دول: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة جبل العرب والدروز.
وقتها جمع الحاكم الفرنسي عدداً من وجهاء العلويين وحملهم رسالة إلى الشيخ صالح مفادها: إن الكيان السياسي السوري ليس موحداً، ولا توجد فيه أحزاب أو هياكل حكم مدني، فالأسهل تقسيمه، وقولوا للشيخ إننا نرشحه ليكون أميراً على العلويين ورأساً لدولتهم، وسنفتح الطرق، ونبني المدارس والمستشفيات، وستتقدم الدولة والشعب!!.
حمل زعماء العلويين هذا الاقتراح إلى الشيخ صالح الثائر، فقال بعد أن استمع إلى الاقتراح، ولماذا لا يقول لي الجنرال هذا الكلام؟؟.
وفعلاً عقد الاجتماع، وتوسع الجنرال في حديثه عن مشروع دولة العلويين. وحين انتهى ارتكى الشيخ صالح على عكازة وقال له:
- شوف يا حضرة الجنرال، لقد ثرنا من أجل وطن، ولم نثر من أجل دولة في جبال النصيرية!!. وانهى الاجتماع .. واستشهد الرجل بعدها بأشهر!!.
الرئيس الأسد يقول: إنّ غضبنا على ياسر عرفات له سبب واحد سمعناه من الشيخ صالح قبل أكثر من نصف قرن: المهم هو وطن الفلسطينيين وليس الدولة المقترحة!!.
وسوريا الآن، بعد تدمير كل أحزاب سوريا، صارت عراقاً ثانياً.. ومثلما أن العراق صار دولاً بعد الاحتلال الأميركي وانهيار الحكومة المركزية، فإن الهمّ الحقيقي للذين يريدون لسوريا الخير هو وحدة الوطن السوري، وتغيير النظام السياسي بنظام يعيد للمواطن إحساسه بأن سوريا وطنه، وانه حُرّ في وطنه، وأن كرامته وإنسانيته مصونة أولاً وآخراً. فالمبادئ، حتى إذا قبلنا أن النظام حامل مبادئ، هي مبادئ لمصلحة الشعب ومن أجل أمنه واستقراره وتقدمه. وليست سوريا لمصلحة نظام البعث أو نظام الطائفة!!.
الكلام المختصر الذي قاله الشيخ صالح العلي هو الأساس: الوطن وليس الدولة المصنوعة!!.
(الرأي)