المنطقة .. إلى أين؟!

في إطار حالة الاستقطاب الطائفي ،المرعب فعلاً، التي باتت تعيشها المنطقة تأتي دعوة النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي ،لدى استقباله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في طهران أمس الأول، لإتحاد «بشكل تام» بين إيران والعراق لتشكيل «قوة كبيرة على الصعيد العالمي» لتوضح كم أن هذا التراشق الكلامي ،والحرب أولها الكلام، المتبادل بين بغداد وأنقرة قد يدفع الإقليم كله إلى صراع مسلح إن هو حصل فإنه سيتحول إلى ما يشبه الحروب الصفوية - العثمانية التي شهدتها هذه المنطقة في فترة عدم استقرار معروفة.
لقد كان متوقعاً ألاّ تبقى حالة الاستقطاب الطائفي الشديد ،التي بات يعيشها العراق في إطار الصراع الذي احتدم بين المالكي وخصومه والذي اتخذ طابعاً مذهبياً وللأسف، محصورة في بلاد الرافدين وذلك لأن الدول المجاورة وفي مقدمتها تركيا قد شعرت بأن هناك عمليات تطهير فئوي تقف وراءها إيران التي دأبت على السعي للتمدد في هذه المنطقة في السنوات الأخيرة وقبل ذلك.
كان رئيس مجلس صيانة الدستور الإيراني أحمد جنتي ،الذي يعتبر أكبر العلماء في إيران والذي هو قاضي محكمة الثورة وإمام جامعة طهران «المؤقت»، قد أدلى قبل فترة بتصريحات طائفية استفزازية استهدف فيها مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وكذلك فإن مرشد الثورة نفسه السيد علي خامنئي قد دأب على إطلاق تصريحات اعتبرت تدخلاً إيرانياً سافراً في الشؤون السورية الداخلية وأيضاً في الشؤون العراقية المتوترة جداً على خلفية مذهبية باتت تهدد بالعودة إلى حرب التفجيرات وعدم الاستقرار التي اكتوى بها هذا البلد في فترة سابقة.
وإن ما يجعل أن دعوة محمد رضا رحيمي إلى اتحاد بين العراق وإيران «بشكل تام» ولتشكيل «قوة كبيرة على الصعيد العالمي» تُفهم على أنها موجهة إلى تركيا أنها جاءت بينما التراشق بالتصريحات المتبادلة بين المالكي ورجب طيب أردوغان قد وصل ذروته وبينما صدى زيارة محمود أحمدي نجاد الاستفزازية إلى جزيرة «أبو موسى» الإماراتية لا يزال يتردد في دول هذه المنطقة كلها.
هناك الآن اصطفاف إيراني بالأسلحة وبالأموال وبالمقاتلين إلى جانب نظام بشار الأسد وهناك الآن تنشيط لعمليات حزب العمل الكردستاني ضد تركيا وهناك الآن أوضاع عراقية غير مستقرة بسبب تدخل إيران ،الذي تجاوز كل ما يمكن احتماله والقبول به، في شؤون العراق الداخلية وهناك توتر متصاعد في لبنان بتأثير الأزمة السورية المتفاقمة وبأبعادها المذهبية وكل هذا بات يدفع تركيا دفعاً إلى الشعور بالاستهداف والى تأكيد رجب طيب أردوغان على انه لن يسمح بإقحام العراقيين في أتون حرب أهلية طائفية إن هي انفجرت فإنها ستؤثر على بلده لا محالة.
وبهذا كله فإن هذه المنطقة غدت كمن يجلس فوق برميل محشوٍ بالألغام الشديدة الانفجار ولعل ما يزيد في احتمالات نشوب حرب إقليمية باتت كل عواملها متوفرة أن إيران تعتقد أن مثل هذه الحرب ستجنبها مواجهة قريبة بالنسبة لمشروعها النووي وإن بشار الأسد يستعد لمثل هذا الخيار إذا رأى أن أيامه باتت قليلة وان إسرائيل في مصلحتها أن يختلط الحابل بالنابل في المنطقة لتؤجل الاستحقاقات الفلسطينية الضاغطة عليها وأن روسيا مع المزيد من اختلاط الأوراق في هذه المنطقة لتعزز موقعها في معادلة موازين القوى العالمية.