حابس في البال!

.. كان يحب أن يلعب في نادي الملك حسين لعبة النرد – الطاولة -. وكان يزعجه كلام محمد باجس الكثير. وكان تواضعه وهو في التسعين مثل تواضعه وهو قائد الكتيبة الرابعة في باب الواد.
وحابس باشا، يليق به شماغه الأحمر، والأسنان الذهبية التي تلمع في ابتسامته الجميلة. وتليق على صدره الأوسمة، وعلى كتفيه أعلى رتب الجيش العربي. فحابس رفيفان المجالي كان الأردني بشجاعته، وكرمه، ونخوته وتواضعه، وكان دائماً الحاضر في الأزمات ومعارك الشرف والولاء، وكان الاحتياطي الهائل لنظام وقيادة ما فرّط بهما يوماً، ولا ساوم عليهما.
كنا في السعودية عام 1962 نفاوض على تفصيلات تعاون معروفة باتفاقات الطائف بين الحسين رحمه الله والملك سعود. وقد تعثرت مفاوضاتنا لأسباب لا نريد فتح ملفاتها، وقد غضب سيدنا رحمه الله وطلب من رئيسنا عبدالوهاب المجالي قراءة برقية على الملك سعود.
في مساء ذلك اليوم جاءني رحمه الله الشيخ عبدالله بلخير، وزير الإعلام واعلمني أن الملك سعود أقال الوزارة وكلّف أخيه الأمير فيصل بتشكيلها، وكان الملك العظيم في نيويورك. وحين حضر في اليوم الثاني استدعى وفدنا الذي تقلّص إلى خمسة من عشرين، ووقع بالأحرف الأولى على الاتفاقات كما عرفناها في المفاوضات.
حابس باشا، وقبل سفرنا بأيام أهدى الملك سعود خيلاً جميلة. وحين عاد من الرياض ذهب إلى «المستشفى الرئيسي» في ماركا، فلم يكن سعيداً طيلة عشرين يوماً.
زرناه في المستشفى المتواضع، وحملنا له من شارع طلال كعيكبان، وحامض حلو، وقطين وفيصلي، وملبس علوز، وضمّة ورد جميلة من أبو الحافظ بازيان، فقد كان المحل الوحيد في عمّان الذي يبيع الزهور!!.
كان حابس باشا منهكاً، لكنه كان كالعادة أنيساً، وممتناً لأن الكعيكبان يلون اللسان باللون الأحمر وقد نسيه من زمان، لكنه كان سعيداً بإضافة سبعة عشر كيلومتراً إلى شاطئ العقبة منحتها لنا السعودية مقابل مساحة مماثلة في المدورة.
أشعر وأنا أتملى صورة حابس باشا الجميل، انني لم أعد قادراً على مسح الدموع .. فعلى مثل حابس يبكي الرجال!!.