(أزمة) مصر تكمن في عدم اكتمال ثورتها !

مصر هي الآن, ومع ثورتها, في "أزمة"; وبعضٌ من هذه الأزمة مُفْتَعل مُخْتَلق. وأزمتها هي, في المقام الأوَّل, "أزمة شرعية", و"أزمة دستورية".
و"أزمة الشرعية" نراها واضحة جلية في حُكْم المجلس العسكري الأعلى; فمن أين يستمدُّ هذا المجلس شرعيته في حُكْم مصر, ولو حُكْماً انتقالياً (يراد له "الديمومة", بمعنى ما, وفي طريقة ما)?
إنَّه (وفي هذا خير دليل على عُمْق "أزمة الشرعية" التي يعانيها حكمه) يستمدها, ابتداءً وأساساً, من "رئيس مخلوع"; وكأنَّ "فاقِد الشرعية" يعطيها!
وللتذكير أقول إنَّ عمرو سليمان (نائب الرئيس المخلوع) أعلن, في "بيانه التاريخي", أنَّ مبارك "قد كلَّف المجلس العسكري الأعلى بإدارة شؤون البلاد (من بعده)". أُذكِّر بهذا وأنا متأكِّد تماماً أنَّ مبارك نُحِّي, ولم يتنحَّ, وأنَّ "المجلس العسكري الأعلى", وبتنسيق (أفْتَرِضه) مع الولايات المتحدة, هو الذي نحَّاه, متَّخِذاً من نائبه عمرو سليمان "لساناً" له في هذا الأمر الجلل, ولغايةٍ (ما عادت افتراضية; لأنَّها تأكَّدت من طريق الأفعال والممارسة) هي منع ثورة الخامس والعشرين من يناير من بلوغ هدفها النهائي, وهي التي كانت على بُعْد "شبر" منه.
ومن هذه الغاية, تفرَّعت غاية أخرى, هي أنْ يقي المجلس العسكري الأعلى (وسائر ممثِّلي عهد مبارك في المؤسَّسة العسكرية) نفسه "شرور" النَّصر النهائي للثورة, أيْ انتقال السلطة (الفعلية) في البلاد إلى أيدي ثوَّار "ميدان التحرير"; فإنَّ كثيراً من هؤلاء (العسكريين) يمكن اتِّهامهم بكثيرٍ مِمَّا اتُّهِم به مبارك ونجله وشركائهما; وهذا ما يُفسِّر حرص المجلس العسكري الأعلى على تضمين الدستور الجديد "مصالح (وامتيازات)" خاصة به, أيْ بهذا المجلس, وما يَضْمَن له (دستورياً) البقاء بمنأى عن تلك "الشرور".
و"المجلس" يحرص, أيضاً, على أنْ يكون له "حامٍ" يُعْتَدُّ به في داخل "السلطة التنفيذية"; فـ "الضمانات الدستورية" وحدها لا تكفي.
أمْران اثنان يستبدَّان بتفكير "المجلس العسكري الأعلى" هما "الرئيس" و"الدستور"; فأمْرُ "البرلمان" و"الحكومة", ولجهة من يهيمن عليهما, ليس, من وجهة نظره, بأهمية الأمْرين الأوَّلَيْن; فمصالحه (وامتيازاته) والضمانات التي يريدها لن يحْصَل عليها إلاَّ من طريق "الرئيس" و"الدستور".
إنَّه, أوَّلاً, يريد دستوراً يعطيه, دستورياً, ما يريد; ويريد, من ثمَّ, رئيساً يحميه, ويحامي عنه, ولديه, من ثمَّ, من السلطات والصلاحيات الدستورية ما يُمكِّنه من ذلك; فالنظام السياسي الذي يسمح بوضع سلطة تنفيذية قوية بين يديِّ الرئيس هو مطلب "المجلس العسكري الأعلى"; وفي هذا يكمن مفتاح التفسير لأهم ما يقوله ويفعله "المجلس", في هذه المرحلة الانتقالية, مع ما يتخلَّلها من أزمات مُفْتَعَلة مُخْتَلَقة.
والسؤال (الثوري التاريخي) الآن هو "ما العمل?".
وهذا سؤال ينبغي لكل قوى الثورة المصرية (والمجلس العسكري الأعلى ليس من عدادها) أنْ تجيب عنه, وأنْ تتواضع وتتوافق على إجابته.
والإجابة التي تكمن فيها المصالح الحقيقية الكبرى لثورة الخامس والعشرين من يناير إنَّما هي "جمعية تأسيسية" منتخَبَة مباشَرةً من الشعب, تَضَع (سريعاً) دستوراً جديداً للبلاد, يقره الشعب في استفتاء شعبي, فتُجْرى على أساسه انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية في الوقت نفسه; فلا تنتهي "المرحلة الانتقالية" إلاَّ على هذا النحو, ولا يُنْتَخب رئيس جديد للبلاد إلاَّ بعد ذلك, وعلى هذا الأساس. وإلى أنْ تنتهي (وعلى ذاك النحو) هذه "المرحلة الانتقالية", يتَّحِد "مجلس الشعب" و"ميدان التحرير" في صراعٍ يستهدف (الآن) موازَنة ثِقَل وضغوط وسلطة "المجلس العسكري الأعلى"; فإنَّ هذه "الموازَنة" اليومية والدائمة هي وحدها السبيل إلى إنهاء "المرحلة الانتقالية" بما يسمح للثورة المصرية ببلوغ "نصفها الآخر", والاكتمال من ثمَّ.
( العرب اليوم )