الفقر كمطلب قومي!

تم نشره الثلاثاء 24 نيسان / أبريل 2012 06:43 مساءً
الفقر كمطلب قومي!
خيري منصور

عندما حاولت النظم السياسية العربية أو بعضها على الأقل إعطاء دلالات لشعار الاشتراكية لجأت الى فلسفة الانتقاء، وتجاسر البعض على تسمية الكائن الهجين بالاشتراكية العربية، ثم انتهى الأمر الى القطاع العام الذي عُرِضَ بعد عقود في المزاد فلم يحدث نمو رأسمالي بالمعنى الكلاسيكي، ولم يتمتع فقراء العرب بالاشتراكية بحيث يتعلمون ويعالجون ويعيشون في مساكن آدمية، لكن ما حدث هو أن العشوائية سواء بمعناها الفكري او المعماري زحفت على العواصم وقضمتها، وحولت أحياء كاملة منها تعج بالبشر إلى حاويات عملاقة للنفايات.

ولا أدري لماذا فـُهـِمَ هذا النمط من الاشتراكية بشكل معكوس، وتصور البعض ان الفقر يجب أن يصبح مطلبا وطنيا وقوميا. لهذا اذكر عندما كنا في سنوات الدراسة وبالتحديد في القاهرة التي كانت تجتذب عشرات الألوف من الطلاب العرب في الحقبة الناصرية، كان بيننا من يطالبوننا بالاعتذار إذا ارتدينا ثيابا نظيفة وأنيقة ونوصف بالبرجوازيين الصغار العفنين رغم ان العفن كان في مكان آخر وفي الفهم الخاطئ للاشتراكية والثقافة وكل ما له صله بالحياة. وكانت الطبقة الوسطى قبل ان تبدأ بالتحلل والتلاشي هي حاضنة كل تلك التجارب الاقتصادية لكنها سرعان ما وقعت في فخين، أولهما الخوف من الفقر وبالتالي الانحدار الى القاع مما أفرز فوبيا الفقر وهي أنكى وأشد من أي فقر، وثانيهما التطلع الى الأعلى. ولأن التجارب الاقتصادية التي جازف بها جنرالات وانقلابيون كانت تتخبط بين تسيير ذاتي وتحديث لأنماط الانتاج الاسيوية فقد بدأ ما يسمى التسلل الطبقي. وساعد على ذلك انفتاح أسواق عمل جديدة. فقد يتسلل طبقيا من كان بالأمس بائعا متجولا لكنه ما إن يصل الى مبتغاه حتى يبقى محتفظا بكل ثقافته الطبقية القديمة وطقوسها أيضا، لهذا تم اجهاض فئات اجتماعية كان منوطا بها اذا تذكرنا المثال الاوروبي ان تكون ذات انجازات مدنية، وفنية اضافة الى اجتراح آفاق جديدة لحداثة تم وأدها في الرحم وليس المهد فقط.

إن ما أثار لدي هذه التداعيات هو قصة مؤجلة عدة سنوات، وهي أنني أصدرت سيرة ذاتية في عمان ثم في القاهرة تحدثت فيها عن طفولتي، وفوجئت بناقد يسألني:

هل هذه هي بالفعل طفولتك أم أنها متخيلة فقلت له إنها طفولتي وكما هي وإن كنت قد خجلت من رواية بعض التفاصيل التي تستفز أبناء جيلي ممن ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد مع النكبة في فلسطين، ثم بدأ يروي لي باقتضاب وعصبية طفولته وانتهى الأمر الى أن قال لي بأن هذا الكتاب هو اسوأ ما قرأ في حياته، وقد كرهه ثم أدت هذه الكراهية لأن يصبح صاحب الكتاب عدوا الى الأبد. وبعد تلك الحادثة شعرت بأن هناك من أساؤوا الى طفولتنا وشعبنا سواء بالكتابة أو الرسم او حتى الذكريات وكأننا لم نكن أصحاب أرض وبيوت ومدارس وأنماط عزيزة من الحياة. وكأن هذا الانسان خلق ليثير الاشفاق فقط وممنوع عليه أن يثير الحسد أو الغبطة. هذا مجرد مثال من افرازات تلك الثقافة التي أرادت تحويل الفقر الى مطلب قومي وشقاء الطفولة الى سيرة ذاتية مقررة على الجميع بلا استثناء. هكذا إذن تكررت حكاية العربي المُنْبتّ الذي لا رفاهية قطع ولا إشتراكية أبقى! ( الدستور )
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات