التفكير الإبداعي

في هذا الزمان وعصر التكنولوجيا والابداع، وفي خضم الثورة المعرفية وعولمة التفكير وسرعة وصول المعلومة وانتشار صداها، أصبحنا نستشعر ضرورة تبني مهارات التفكير الإبداعي كفكر تربوي لغايات رفع مستوى التفكير وسرعة اتخاذ القرار وزيادة الإنتاجية عند الشباب والعموم بعيداً عن لغة التلقين والكلاسيكية، بغية ضلوع الشباب وجيل المستقبل في حل المشكلات التي تواجههم بأنفسهم وذلك من خلال تمكينهم وتبصيرهم بمفاتيح لغة العصر والتعايش مع المستقبل المتجدد، من دون الحاجة إلى التربية التقليدية المرتكزة على تقليد وحفظ ما يفعله الكبار عن ظهر قلب.
وبالطبع فان ضلوع الشباب وولوجهم مهارات التفكير الإبداعي يخلق منهم جيلاً منفتحاً وراشداً وواعياً ومتبصراً بما يدور حولهم وعلى نظرية المثل الصيني “لا تعطني سمكة بل علّمني كيف أصطاد السمكة”. وهذا يؤشر بأننا وباستخدام طرق التفكير الإبداعي من الممكن أن نصل إلى الهدف بمرونة وانفتاح وباستخدام العديد من البدائل لغايات معالجة متغير واحد، وبعدها نختار البديل الأسلم والممكن والعملي لاتخاذ القرار الذي نريد. وهذا يؤشر إلى التعددية في الآراء وتنوعها مما يثري المسيرة ويعملق الفكر ويمنع ظاهرة تقزم وتقوقع التفكير. وذلك يتطلب مجهودا مضاعفا من قبل الأهل والمدرسة والجامعة والمؤسسات الشبابية كافة وبجهود تشاركية لغايات وضع الآليات والوسائل اللازمة لاستثارة طرق التفكير الإبداعي وتنميتها والأخذ بها وجعلها ممارسة يومية وسلوكا قويما لدى الشباب أنّى كان العمل الذي سيقومون به.
والتفكير له أنواع كثيرة منها الإبداعي والناقد والمنتج والمنطقي والاستقرائي والاستنباطي والشامل والتحليلي والتأملي والعملي واللفظي والمعرفي والمحسوس والمتسرع والمتقارب وغيرها، وكلها بالمطلق تؤشر إلى مبادئ تعليمية وتطوّر مهارات وتدرّب وتنمي العقل وتراكم الخبرة لدى الإنسان، ومنها يأتي التركيز على العمليات الذهنية الدنيا كالتذكر والاسترجاع والعمليات ذات المستويات العليا كالتحليل والتركيب وقراءة الأشكال والرسومات وعمل الفرضيات. ولذلك ندرك من هذه المستويات أن التفكير يمكن تنميته في بيئة مرنة وخبرات حياتية يومية تمارس التفكير بشكل طبيعي وفطري.
وبالتأكيد لا يمكن لطالب أن يتعمق أو حتى يمارس التفكير الإبداعي دون وجود أستاذ أو والد أو غيره كقدوة له في حياته اليومية ليضعه على الطريق الصحيح لمهارات التفكير الإبداعي بدءاً من وضوح الأهداف وإدارة الوقت والتفاعل الايجابي مع المحيطين وتوفّر مصادر المعلومات وغيرها، لأن التفكير الإبداعي هو نشاط عقلي مركب يتصف بالشمولية والتعقيد وذلك لأنه لا ينطوي على عناصر معرفية وانفعالية وأخلاقية متداخلة ولا يسير وفق حقائق معينة أو وفق علاقات محددة، مما يشكل حالة ذهنية فريدة ونوعيّة.
ومن الممكن تدريب الشباب على التفكير الإبداعي من خلال إيجاد المرافق والتسهيلات والبيئة المحفزة والمشجعة للإبداع وما يتبعه من تغيير في منظومة القيم والاتجاهات وذلك من خلال احترام ذهنية المتعلّم واحترام تخيله وأسئلته وقيمته وإعطائه مهلة للتفكير ودعم أفكاره وإيجاد مناخ من الاحترام المتبادل واستخدام التعزيز والثناء الايجابي والعمل بمجموعات. ولهذا كلّه فان تنمية التفكير الإبداعي للشباب يتطلب من المدرّب أو الأستاذ أن يكون دوره توجيهيا لا تلقينيا. ويتطلب ذلك تعزيز مهارات الاكتشاف والاستقراء والإنتاج والمغامرات والأصالة والتفكير غير المقيّد والنظريات وغيرها. كما تقوم مهارات التفكير الإبداعي على الطلاقة –(استدعاء أكبر عدد ممكن من البدائل والحلول والاستجابات والمترادفات) والمرونة (استنباط الأفكار المتباينة للإسهام في حل المشاكل) والأصالة (مقدار الاستجابة غير المألوفة والنادرة) والإضافة (القدرة على إدخال عناصر أو أفكار جديدة ومتنوعة لفكرة ما) والشعور والإحساس بالمشكلات.
نحن بحاجة ماسّة لتغيير مناهجنا المدرسية والجامعية لتحاكي لغة العصر الإبداعيّة دون كلاسيكية، وبحاجة لتغيير دور المعلّم والأستاذ الجامعي والمدرّب ليكون مبدعاً أولاً ليعكس ابداعه على غيره، وبحاجة لتغيير البيئات والآليات التعليمية، وبحاجة لتغيير في سياساتنا واستراتيجياتنا التعليمية والتربوية لتؤطّر التفكير الإبداعي، والأمثلة وقصص النجاح على ذلك كثيرة وفي دول عدّة كاليابان وسنغافورة والصين وغيرها.
إننا أيضاً بحاجة ماسّة إلى مراجعة شاملة لطرق تفكيرنا وتعاملنا مع الشباب والفئات العمرية الصغيرة وآليات تطوير منظومة التفكير لديهم صوب التفكير الإبداعي المحفّز للتطوير والذهنيّة العالية والمهارات العصرية وطرق حل المشكلات والتحليل والاستنباط لا التقليدية والكلاسيكية المتقوقعة! ( الدستور )