خيارات عباس ونتنياهو..«النهائية»

لم يتأخر الرد الإسرائيلي على رسالة عباس لنتنياهو: “شرعنة ثلاث بؤر استيطانية”...ردٌ مألوف من حكومة اليمين واليمين المتطرف برئاسة نتنياهو...ردٌ بالأفعال لا بالأقوال الناعمة والمداهنة فحسب....ردٌ متوقع من كل ذي بصرٍ وبصيرة...ردٌ لم يفاجئ أحداً، سوى الذين استحالت أدمغتهم للأعشاشٍ للأوهام والرهانات الخاسرة.
المتأمل برسالتي عباس ونتنياهو، لن تصيبه الدهشة أبداً، فكلا الرجلين عبّر بأكثر ما يمكن من الوضوح عن خياراته الاستراتيجية، بل و”النهائية” إن جاز القول...عبّاس لن يغادر مربع الرهان على “المفاوضات العبثية”...ولا بديل عنده سواها، حتى وإن آلت إلى نوع من “العبث” و”تقطيع الوقت” و”اللامعقول”.
أما نتنياهو، فالاستيطان على الأرض، وليس بالأقوال فحسب، هو خياره الإستراتيجي والنهائي، حتى يقضم من الضفة الغربية والقدس (العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية العتيدة)، ما شاء، وكيفما شاء، وكل ما شاء...وبين الخيارين المتناقضين، تبدو القضية الفلسطينية برمتها، ومعها مجمل حقوق الفلسطينيين المشروعة، عرضة للتبديد والضياع والنهب والمصادرة.
رغم ذلك، وبرغم وقاحة الخطوة الإسرائيلية واستفزازيتها، طلع علينا المتحدثون الرسميون في رام الله، بتصريحات سمجة، تعليقاً على قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي، هذا يتحدث عن “ضربة لعملية السلام” وذاك “يلوح بالاشتكاء للمؤسسات الدولية، وثالث يحذر من عواقبها على حل الدولتين...إنهم في “حالة إنكار”...إنهم جميعاً في “حالة ضياع” و”فقدان اتجاهات وخيارات وبدائل”.
لا أدري متى سيأتي الوقت الذي ستقتنع فيه القيادة الفلسطينية بأن طريقها مسدود...مسدود ... مسدود... متى سيقتنع هؤلاء بأن سلوك الطريق نفسه وتوقع الوصول لنهايات مختلفة، أمر مستحيل ...متى سيفكرون بتفعيل الخيارات والبدائل التي طالما لوّحوا بها....متى سيقررون إخلاء الساحة لغيرهم، إن كانوا عاجزين عن تغيير الطريق وتصحيح المسار.....لا حل أمام هؤلاء: إما تغيير المسار، وإما مغادرة الساحة، وترك الفرصة لأجيال جديدة، تجرب حظوظها في مقارعة الاحتلال.
حتى إشعار آخر، حتى لا نقول “للأبد”، لن تنشأ في إسرائيل حكومة تقبل بالحد الأدنى من المطالب الشرعية والمشروعة للشعب الفلسطيني...حتى إشعار آخر، لن يفرز هذا المجتمع الذي يزداد “يمينية” وتطرفاً ائتلافاً يرضى بحل الدولتين، ويسمح بعملية سياسية حقيقية...حتى إشعار آخر، لن “نقبض” من هذا الكيان غير العدوان والاستيطان والجدران ... فماذا تنتظر القيادة الفلسطينية، وماذا هي فاعلة بعد أن جرّبت المُجرب عشرات المرات، دون جدوى أو نتيجة.
لقد جربنا طوال أزيد من عشرين عاماً، كل أشكال المفاوضات والمساومات والتسويات، فلم تكن النتيجة سوى زرع الضفة الغربية بالمستوطنات، وتطويق القدس حتى أننا لم نعد نتعرف عليها، فضلاً عن تسكين 600 ألف مستوطن فوق صدورنا وحقوقنا....فما الذي يدفع القوم للاعتقاد بأن مزيدا من المهل والفرص و”جولات التفاوض” و”الرسائل المتبادلة”، يمكن أن تأتي بشيء مغاير، أو أن تنتهي لنتائج مختلفة.
لقد ظننا بعد استحقاق سبتمبر، والتلويح المتكرر بالخيارات والاستراتيجية البديلة، وبعد انتعاش فرص المصالحة، أن الباب فُتح من جديد، أمام “مراجعات” و”وقفات” مختلفة...ظننا أن القيادة قررت أن تنهض بخياراتها الاستراتيجية البديلة...ظننا أنها قررت النهوض إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها، فإذا بنا بعد كل هذا المخاض العسير، ننتهي لرسالة شوهاء ورهانات مفلسة.
لم يعد هذا الحال قابلا للاستمرار...ولم يعد الصمت ممكناً حيال “بؤس البدائل والخيارات” التي تدور في حلقتها المفرغة، قضية الشعب الفلسطيني، وقد آن الأوان، لحركة نهوض واستنهاض، تضطّلع بها قوى الشعب الفلسطيني الحيّة، في داخل الوطن والشتات...آن الأوان، لتشريع الأبواب والنوافذ أمام رياح التغيير و”الربيع العربي” لتضرب بين جنبات البيت الفلسطيني الداخلي، فقد عانى هذا البيت ما عانى، من ركود واستنقاع وانقسام وعبث وشهوة سلطة وشهية مفتوحة على كل المصالح والحسابات الصغيرة.