.. البلطجة والكارثة!

.. مبروك، فقد صار للنائب والعين تقاعد. لكن ذلك يحتاج من صحافتنا، ومن مجلس الأمة توضيحاً للناس. فقد صوّرت المعارضة الممتهنة والهاوية أن مجلس الأُمّة ينهب البلد:
- صحيح أن هناك نواباً وربما أعياناً خدموا في المجلسين سنتين أو أكثر قليلاً، وهؤلاء لا يستحقون التقاعد، واللياقات الاجتماعية تفرض عليهم عدم المطالبة بالتقاعد.. خاصة بعد ان اعترف أحد قادة الأجهزة الأمنيّة بأنه: نجّح سبعين نائباً!!.
أكثر النواب والأعيان لهم خدمة قابلة للتقاعد سواء في القوات المسلحة أو في أجهزة الدولة المختلفة. ولذلك فليس من المفروض أن يرفضوا تعديل مجلس الأعيان. ونحب هنا أن نذكر أن بلدنا حتى عام 1967 كان يعطي للنائب «تعويضاً» وليس راتباً. وكان النائب طبيباً له عيادته، ومزارعاً، ومهندساً، ومتقاعداً، ولم يكن له تقاعد لخدمته في المجلس.
كان مجلس الأُمّة تكريماً من الشعب بتسمية نوابه، وتكريماً من العرش لرؤساء الوزارات والوزراء وألوية الجيش والذين قدموا للدولة خدمات مميزة وكان للجميع «تعويض»، والخدمة غير خاضعة للتقاعد وكانت مجالس الأمة تقوم بعملها دون أصوات عالية، ودون متاجرة كلامية.. وكان تمثيل الناس في مستوى وعينا الاجتماعي والسياسي، مما يمكن أن نسميه تمثيلاً حقيقياً. ففي عام 1963 حجب مجلس النواب ثقته عن حكومة الرئيس سمير الرفاعي. ونظن أن البرلمانات العربية لم تشهد، منذ أول برلمان، حجب الثقة عن الحكومة، وإعلان رئيس الوزراء استقالته في الجلسة ذاتها بكل احترام!!.
نتمنى على المجالس القادمة أن تعيد النظر، وتعيد التقليد الأردني الرفيع إلى ما كان عليه قبل 1967، فالنائب أو العين يجب أن لا يكون موظفاً براتب، وأن لا يكون متقاعداً نتيجة خدمته سنتين في مجلس النواب أو الأعيان، أو خمسة أشهر في الوزارة. فكرامة ممثل الشعب أو السلطة لها معنى آخر لا تقيّمه الرواتب الشهرية. وإنما نظرة واحترام الناس لمن خدم شعبه وأمته، ولا بأس من إعطائه حق الضمان الصحي المجاني وحقه في رفع العلم على بيته، وتقديمه في المناسبات الوطنية. فالتقاعد مهما ارتفعت أرقامه لم يثبت أنه مانع للفساد، وحب الثروة دون وجه حق.
.. الحكومات الآن ضعيفة إلى حد ابتزاز كل الناس لها. حتى وصل الابتزاز إلى بسطات البطيخ، على اوتوسترادات عمّان، أو في وسط البلد حيث تصادر البسطة المتاجر التي تدفع أجوراً، وتوظّف الناس، ويذهب أصحابها كل عام إلى ضريبة الدخل، فلا أحد يهاب النظام العام، ولا أحد يحترم الشارع، ولا مريض يتحرج من الاعتداء على الطبيب، والطالب على معلمه، والموظف على مدير دائرته أو شركته.
هناك تصوّر عام بأنّ البلطجة هي التي توصل الناس إلى حقوقها، .. وهذه كارثة!!.