من تجليات أزمة الثقة

تم نشره الخميس 26 نيسان / أبريل 2012 05:13 مساءً
من تجليات أزمة الثقة
فهمي هويدي

اعتبرت جريدة الوفد في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي (24/4) أن إلغاء عقد تصدير الغاز لإسرائيل بمثابة «فرقعة سياسية»، كما ذكر عنوان الصفحة الأولى الذي أبرز باللون الأحمر. وأوردت الصحيفة ما ذكرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من أن القرار ليس سوى «تمثيلية لرفع شعبية العسكري».
هذه اللغة التي انطلقت من التشكيك في دوافع اتخاذ القرار ترددت أصداؤها في بعض الكتابات والتعليقات المصرية التي لم تفترض البراءة في مقاصده. بالمقابل فإن الإعلام الإسرائيلي كانت له قراءة أكثر جدية وأشد توجسا، حيث أشارت معظم التعليقات إلى أن الأمر يدل بشكل جاد على أن ثمة تغيرا في السياسة المصرية بعد الثورة.
حين يدقق المرء في الصورة ويتتبع تطورات الحدث، يدرك أن خطاب التشكيك والتهوين ظلم القرار كثيرا ولم يعطه حقه، حيث أزعم انه يمثل نقطة مضيئة وصفحة مشرفة في سجل الثورة المصرية، وسجل المجلس العسكري والحكومة أيضا. وتلك شهادة ينبغى ألا نضن بها إذا أردنا أن نكون منصفين، وحين تذكرها فإننا لا نطوي صفحات أخرى محسوبة على الاثنين، لأننا لسنا في وارد المحاكمة وإنما نلتمس الانصاف وإحقاق الحق.
إذ ليس سرا أن موضوع تصدير الغاز لإسرائيل ظل يشكل صداعا للمجلس العسكري من ثلاث زوايا على الأقل.
من ناحيته، لأن العقد فاسد من الأساس وسبق أن حكم القضاء الإدارى ببطلانه في عام 2008، ولكن النظام السابق احتال لاستمراره.
من ناحية ثانية فإنه كان مجحفا بحق مصر وظالما لها، حيث كان يبيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس لا علاقة له بالأسعار العالمية. من ناحية ثالثة، فإن عملية تأمين خط الغاز أصبحت تشكل عبئا على السلطات المصرية بعد تعرضه إلى 14 عملية تفجير حتى الآن.
لهذه الأسباب فقد اتجهت النية لإلغائه في أول فرصة، مع الحرص على ألا يؤدي ذلك إلى تحميل الطرف المصري بأية تعويضات. ومعلوم أن إسرائيل لجأت إلى التحكيم الدولي مطالبة بتعويضات قدرها 8 مليارات دولار  عن فترات انقطاع الغاز المصري عنها. إلا أنه تبين أن العقد الموقع في سنة 2005 يتضمن نصا يقضي بأنه إذا لم يسدد الطرف الإسرائيلي التزاماته المالية لمدة خمسة أشهر، فإن ذلك يعطي مصر الحق في فسخه من جانبها.
وهو ما حدث هذه المرة، إذ ظل الطرف الإسرائيلي يسوِّف ويماطل في الدفع طوال تلك المدة، غير متوقع أن تلجأ السلطات المصرية إلى فسخ العقد. وحين تراكمت الديون على الإسرائيليين ووصلت إلى مائة مليون دولار وبعدما مرت الأشهر الخامسة المحددة في الاتفاق، اتخذت القاهرة قرارها الذي ترقبته.
وحين قالت السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي إن مصر على استعداد لبيع الغاز لإسرائيل من خلال توقيع اتفاق جديد، فإن كثيرين لم ينتبهوا إلى دلالة الكلام ومغزاه.
ذلك أن الاتفاق الجديد ــ إذا تم ــ فإن بيع الغاز سيكون بالأسعار العالمية، وليس فيه أية تضحية من جانب مصر. الأهم من ذلك أن الاتفاقية في هذه الحالة ينبغي أن تعرض على البرلمان لإقرارها كما نص الدستور، وهذه هي العقدة التي نستطيع أن نقول من الآن أنه سيصعب تجاوزها، لأن البرلمان بتركيبته الحالية لا يمكن أن تمرر اتفاقا مع إسرائيل من ذلك القبيل.
وهذا التحليل يسوغ لنا أن نقول إنه بفسخ عقد البيع فإن باب تصدير الغاز لإسرائيل قد أغلق تماما، في الأجل المتطور على الأقل.
إذا صح هذا الذي ذكرت فهو يضمن أن حسابات إصدار القرار اتسمت بالجدية والرصانة، وان فكرة الفرقعة أو التمثيلية لم تكن واردة في العملية، وان كنت أسلم بأن صدوره رفع من شعبية المجلس العسكري، وهو أمر ينبغي ألا نضيق به أو نستهجنه. بل من ناحيتي أضيف أنه حتى لو كان الأمر فرقعة أو تمثيلية فإنه يستحق الترحيب أيضا، طالما أنه يؤدي إلى تصحيح العلاقة المختلة مع «إسرائيل».
ثمة بعد في المشهد ينبغي الانتباه إليه، وهو أن أصداء التشكيك في القرار تدل على وجود أزمة ثقة بين بعض عناصر النخبة وبين المجلس العسكرى، فتحت الباب لإساءة الظن في ملابسات ومقاصد القرار. وتلك أزمة عامة تعاني منها مصر الآن، واستفحل أمرها حتى أصابت علاقات مختلف القوى السياسية ببعضها بعض.
وهي مشكلة تحتاج إلى حل، ولا يتسع المجال للتفصيل فيها، ولذلك سأكتفي بتشخيصها هذه المرة، آملا أن تناقش مقترحات علاجها في وقت لاحق.

(السبيل)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات