الصعود إلى أسفل

في لعبة الحيّة والسلّم الشهيرة يكون مربع أسفل السلم نقطة للصعود نحو مربع النهاية، في حين يكون مربع رأس الحيّة نقطة للعودة للخلف والإبعاد عنه.
ويحكى أنّ أفعى لدغت طفلاً أودت بحياته، وأنّ والد الطفل طارد الأفعى وتمكّن من قطع ذيلها فقط، وأنّها لاذت بالفرار نحو مخبأها.
وبعد سنوات على الحادثة شاهد والد الطفل الأفعى تطلّ برأسها من أعلى سقف المنزل، فخاطبها قائلاً: "لقد مرّت سنوات ونحن على توجّسنا، فما رأيك أن تنزلي ونعقد صلحاً وسلاماً"، ردّت الأفعى من فوق: "لن يكون ذلك أبداً، فأنت لن تنسى طفلك وأنا لن أنسى ذيلي".
وفي الشعر عن الأفعى ما يلي..
لا تقطعن رأس الأفعى وترسلها إن كنت شهماً ألحق رأسها الذنبا
إذاً هي قصة الأفعى، والمشكلة على الدوام فيها، ولو قلنا أنّ رأس الفساد هي، فلا يكفي النيل من الذيل فقط، وإن كانت هي وراء أيّ أمر جرّ البلاد والعباد إلى ما هم عليه، فإنّ رأسها كاملاً لم يعد كافياً، وإنّما معه رأس الحاوي الذي أتاح لها ما أتاح وما زال يفعل.
الإصلاح بالقطّاعي يشبه لعبة الحية والسلم، وتشريع القوانين يحاكي لدغة الطفل وذيل الأفعى، أمّا البحث عن مخارج، والخروج منها نحو برّ الأمان الوطني الإنساني، الذي يؤمّن الاستقرار والأمن وحقوق الشعب وحماية الدولة، والبناء النهضوي العصري لمركّبات الدولة ومكوناتها الاقتصادية والاجتماعية فيلزمه بيت الشعر تماماً، فلا أقلّ من قطع رأس الفساد ودابر الذين يحمونه، ومعهم الأرتال الصغيرة التي تؤمّن وتحمي هذا وأولئك.
الشعارات وحدها لا تكفي، ومثلها المواقف اللفظية، والحراك الشعبي على ما هو عليه لن يقطع حتى مجرد ذيل.
وها هي الوقائع أمام الجميع، فالبراءة تصدر الواحدة تلو الأخرى للمشبوهين، وأكثر من ذلك تؤمّن استمرارهم، وتضيف عليهم، وإلاّ ما معنى رواتب تقاعدية عالية مدى الحياة لمن لم يخدم عملياً سوى نفسه.
غداً مخصص ليكون جمعة وطن، وأيّ جمعة هذه التي تكفي وطناً ينزف فقراً وبطالة، وعنفاً مجتمعياً لم تشهد له البلاد مثيلاً. وأيّ جمعة هذه التي ستؤمّن إصلاحاً ما زال البحث جارياً عن مخرجاته وملامحه الحقيقية.
غداً الجمعة لن يختلف عن كل الجمع التي سبقتها، فالمسيرة من الحسيني إلى ساحة النخيل سيرافقها من يقف بوجهها كالعادة.
فذيل الأفعى يظلّ متحركاً ولا يكُفّ عن ذلك، لكنه يتوقّف تماماً بزوال رأسها.
(السبيل)