عرس ديمقراطي في سوريا

سيحسد العالم أجمع شعب سوريا على الانتخابات النزيهة والشفافة التي نكتب هذه السطور بينما هي تجرى في طول البلاد وعرضها لاختيار مجلس شعب جديد، فيما سنسمع هذا اليوم الثلاثاء عن النتائج التي تمخضت عنها، إن لجهة نسب الاقتراع العالية، أم لجهة الفائزين من أعضاء حزب البعث العتيد، وأحزاب المعارضة العظيمة!!سيشعر الأوروبيون بالكثير من الغيرة لأنهم لا يحصلون على فرصة ديمقراطية كالتي تكرَّم بها بشار الأسد على الشعب السوري، وسيتمنون لو أن الله قد منَّ عليهم برئيس عظيم مثله يأتي من صلب رئيس عظيم سابق، بعد أن جرى تغيير الدستور لينطبق على مقاسه في غضون دقائق بعد أن عقمت أرحام السوريات عن إنجاب بطل بقامته العالية!!هنا ثمة صناديق اقتراع وأحزاب معارضة (نعم معارضة) تشارك في الانتخابات إلى جانب الحزب الحاكم الذي يضع قادته أيديهم على قلوبهم خشية تنكر الشارع لإنجازاتهم والتصويت للمعارضين، ربما من باب الضجر لا أكثر، مع أن أحدا لا يثق بتلك الأحزاب التي لا تملك برامج عظيمة كتلك التي يملكها الحزب الحاكم الذي ينجب مبدعين من أمثال رامي مخلوف يتمكنون في غضون سنوات قليلة من مراكمة المليارات بعصاميتهم وإبداعهم الذاتي!!هل بوسع أحزاب المعارضة أن تقدم للشعب السوري أبطالا من أمثال ماهر الأسد وآصف شوكت ورامي مخلوف؟ كلا بالطبع، لكن الحزب الحاكم المبدع لا يركن إلى ذلك ويبذل قصارى جهده في إقناع الناخبين بإنجازاته حتى اللحظة الأخيرة!!نتحدث بهذه الروحية الساخرة لأن السخرية وحدها هي ما يصلح لمتابعة هذا المشهد العبثي الذي يجري أمام أعين العالم، ومن ضمنه المراقبون الدوليون الذي يجوبون البلاد من أجل تتبع خطى الإرهابيين الذين يقتلون الناس في الشوارع، وبالطبع إلى جانب عناصر الأمن والشبيحة الذين يضحون بأرواحهم من أجل حماية الشعب قنابل الإرهاب!!هو فصل هزلي آخر من دون شك، تماما كما كان حال الدستور الجديد الذي فصَّله عباقرة النظام على مقاس الرئيس الملهم كي يجري الحفاظ على إنجازات النظام والثورة، وتماما كما هو حال الاستفتاء على الدستور الذي مرَّ هو الآخر بإرادة الشعب الحرة!!ثم يأتي قادة حزب الله، وفي مقدمتهم الأمين العام ليحدثونا عن النوايا الإصلاحية للرئيس الملهم، وليطالبوا الشعب السوري بمنحه مزيدا من الفرص كي يعزز الإصلاحات التي بدأها منذ مجيئه إلى السلطة عقب وفاة والده!!هو نظام أعمى من دون شك، ولو كان يملك القليل من بعد النظر لبادر إلى دستور تعددي من النوع “السويسري”، ولشكل حكومة وحدة وطنية من قيادات المعارضة من أجل استيعاب الوضع المتفجر، وبالطبع لأن نظاما يتحكم بالجيش وبعدد كبير من الأجهزة الأمنية ذات الخبرة الطويلة في ممارسة القمع وترهيب الناس لن يكون عاجزا عن إدامة سيطرته على الأوضاع حتى في ظل حكومة يقودها المعارضون السابقون الذين لن يكون بوسعهم التمرد على نظام أمني مهما منح لهم من صلاحيات.إنه العمى السياسي الذي سيقود هذا البشار إلى حتفه، تماما كما قاد بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي، بل إن فرصته في الحصول على نهاية كتلك التي حصل عليها علي عبد الله صالح قد تلاشت من الناحية العملية بعد أكثر من 11 ألف شهيد ومئات الآلاف من المعذبين، أكانوا في السجون أم المنافي أم من أصحاب البيوت المدمرة.إنه نظام يسير إلى حتفه، ولم يعد بالإمكان الحديث عن إصلاحات ولا تسويات معه، وحتى بعض من يسمون أنفسهم معارضة الداخل، لم يجدوا في مواجهة اتساع رقعة القتل غير الحديث عن إسقاط النظام وليس إصلاحه كما كانوا يفعلون من قبل.نعلم أن الأجواء الدولية، وربما العربية أيضا لا تبدو في صالح الشعب السوري، الأمر الذي يركن إليه النظام إلى جانب دعم إيران وحلفائها منقطع النظير، لكن إرادة الشعب السوري ستنتصر في نهاية المطاف، ومن يتابع هذا الكم من الإصرار بين صفوفه يدرك أن النهاية باتت معروفة تماما، وإن عجز المراقبون عن الجزم بتوقيتها.(الدستور)