في ربيع الجزائر!

انتهت انتخابات الجزائر، وعادت جبهة التحرير وأزمة الثورة الى مقاعد الأكثرية، لكن المتابعين للتحرك الجزائري الاجتماعي – الاقتصادي يعرفون ان الانتخابات الحرة النزيهة التي راقبها الاف العرب والافريقيين والاوروبيين ليست الحل لازمة البلد العربي العظيم!! فالفائض المتراكم في خزائن الجزائر وصل الى 200 مليار دولار (عندنا الدين 20 مليار وفي لبنان 63 مليار، وفي مصر وصل الى 100 مليار).. وهذا المبلغ الكبير يغري البنك الدولي الان على الاقتراض من الوفر الهائل، ومع ذلك فالبطالة في الجزائر اعلى من البطالة عندنا. والمجتمع في حالة رحيل: رحيل من القرى الى المدن الكبيرة، ورحيل من الوطن الى فرنسا!!
صحيح ان مخطط الدولة العاجل هو بناء مليون ونصف مليون مسكن، ومد سكك حديد من غرب الجزائر الى شرقها، ومن الساحل الى الواحات، لكن ذلك لا يغير كثيرا من الشعور العام بان مستوى حياة الناس لا يتناسب مع مرور النفط والغاز.
في اوقات كنا فيها نزور الجزائر لحضور مناسبات فلسطينية، كنا نلاحظ اكتظاظ المدن... وكانت ساحات العاصمة ملأى بشباب درسوا وتخرجوا ولا يجدون عملا لسنوات، وكنا نسمع من إخوة واصدقاء جزائريين ان التشوه الاقتصادي والاجتماعي جاء بعد غياب الزراعة من الانتاج الوطني او تراجعها الى الحد الذي اصبحت الارض الزراعية طاردة، في حين ان اساس الاستيطان الفرنسي ايام الاستعمار قام على الزراعة.. وكانت حقول الجزائر الهائلة تستوعب مليون مزارع او صاحب مزرعة تشغل اكثر من خمسة ملايين اجير زراعي. ولدى عودة المستوطنين الى فرنسا، لم تأخذ حكومة الثورة بيد هذه الثروة وتزرع جيل الشباب في الارض التي كان يعمل عليها آباؤهم أجراء للاستعمار وذلك بتوزيعها اولا على الفلاحين – وتعليم ابنائهم هذه المهنة الشريفة فكان ان بدأت هجرة الابناء الى المدن الكبرى «طلبا للعلم» ، وبقي الاباء فيها عجائز وفقراء!!
لو أن الاردنيين مثلا صانوا ارضهم فلم تتوزع بالارث، لما كان عندنا بطالة خاصة وان الزراعة تحدثت واصبحت آلية فالغور قادر على استيعاب مائة الف شاب بدل العمالة الوافدة التي اصبحت الان في حكم صاحبة الارض، لكننا تعلمنا ان الزراعة هي مهنة الكسل، لاننا كنا لا نرى في الزراعة غير زراعة القمح والشعير.
في مصر هاجر ملايين الفلاحين المصريين الى مدن مصر ومدن العالم العربي لكن المجتمع لم يتشوه اقتصاديا واجتماعيا لان القسم الاكبر بقي في الارض. والمشكل ان التخطيط الحكومي غاب عن الزراعة مثلما غاب عن الصناعة وانصرف الى الخدمات والى الاعمال الطفيلية السريعة المردود!!
نحب ان نتابع حركة التحولات في الجزائر فالربيع العربي لم يصل اليها لان قبضة الدولة ما تزال فولاذية. ولان الفساد ليس له مكان في دوائر صنع القرار وهنا تتداخل الديمقراطية في هذه الدوائر. ولهذا نصرُّ عليها واصرارنا على ربيع الوطن.. هذا الربيع والربيع القادم!! ( الرأي )