مهرجان جرش وعرس ابن عمي
في حزيران من عام 2010 كانت الساحة المقابلة لمضافة عائلتنا تتزين بألوان الوطن.....وكانت الكراسي تلف الساحة بالكامل......وقبل الغروب بدأت الفرقة الموسيقية بتجهيز معداتها لتبدأ الإعلان عن عرس لأحد أبناء عمومتي....وبالفعل ما أن بدأت السهرة المنتظرة من الأب والأم والأقارب وجميع من حضر للمشاركة حتى بدأنا نسمع صوت صادر عن سماعة المسجد القريب بالرغم من عدم وجو وقت آذان.....ليعلن أحدهم عن وفاة حاج من إحدى عشائر القرية.....وما أن سمع الجميع الخبر حتى بادر والد العريس ليستخدم الميكروفون ويعتذر للحضور عن استمرار السهرة احتراما لمشاعر أهل المتوفى.....كم كان ذلك رائعا....وكم أحسست حينها بان الدنيا ما زالت بألف خير.....وأننا امة تمرض ولكن لا تموت.
واليوم أقرأ خبرا يكتب بالخط العريض بأن مهرجان جرش لهذا العام هو الأضخم.....وأنه سيستقطب أهم المطربين الذين سيتألقون على المسرح لنرقص نحن على جثث الأبرياء.....وستصدح الآلات الموسيقية على أشلاء تناثرت في كل البقاع العربية....ثم سنرقص وتهتز أجسامنا وسنتزاحم على الأبواب.....وسيصل سعر التذكرة إلى مئة دينار.....سنعلن من على المسرح الجنوبي أننا فقدنا ما بقي لنا من حياء ومروءة.....سنعلن من هناك أن الحياء أصبح من تاريخنا.....وان الشرف العربي أصبح كمن يبحث عن أبرة في كومة قش.....سنقول للعالم ونحن نجلس على حجارة التاريخ أننا نستحق من الذل أكثر وأكثر.
يا سادتي الكرام.....لا أخفيكم أن هذا الخبر استفزني......ولا أنكر أيضا أنني صعقت حينما لم أجد إجابة لتساؤلاتي.....هل الوقت مناسب لأن نرقص على جثث أبناء جلدتنا في ميدان التحرير......هل هذا هو حفل التأبين لضحايا تفجيرات دمشق......هل سنضيء الشموع لنستذكر مجزرة زليتن الليبية...هل أصبحت ذكرى شهداء تونس واليمن تحيا بالرقص والغناء......أم هل هو الرقص على ضعفنا وهواننا وقلة حيلتنا......أظنها الإجابة.
يا سادتي الكرام.....حاولت المقارنة بين الحالتين فلم أجد وجها للمقارنة.....حاولت إقناع نفسي بأن ليس هناك أي علاقة بين الحالتين فأخرست نفسي......لكم الله يا شهداء الأمة العربية......لكم الله يا من تركتم وراءكم شعوب لا تجمعها سوى الطبلة والمزمار.......لكم الله يا روعة الماضي فقد باتت أمتكم بلا ذوق ولا إحساس......فأمتكم تجهز لأضخم موسم غنائي احتفالا بآلاف الضحايا ممن سقطوا ليعيدوا للأمة كرامتها فأبت الأمة إلا الحضيض والذل والانحلال