الفساد ورداءة حياة الأردنيين

قبل سنوات عديدة، كان الأردنيون يتغنون بموقع بلدهم ضمن مؤشرات نوعية الحياة في الصحة والتعليم والبنى التحتية والخدمات العامة. ومع أن المقارنات دوما تتم مع السيئين في العالم، إلا أنها لطالما كانت تأتي بالطمأنينة.
اليوم، لم يعد الناس بحاجة إلى متابعة مؤشرات نوعية الحياة بعدما صمتت وسائل الإعلام عن ترديد التراجع الذي تشهده. فثمة شواهد يومية تذكر برداءة الحياة، وبالأثمان التي يدفعها المجتمع نتيجة الفساد وتراجع الكفاءة العامة. فلطالما بيع الناس مقولة إن الفساد غير مرئي، بينما نلاحظ اليوم كيف ينعكس ذلك في كافة تفاصيل الحياة.
خلال شهر واحد، ترصد الأخبار حزمة من الوقائع المادية الدالة على حجم ما أصاب الحياة العامة من خراب وتراجع. وهي مظاهر تكررت في الأشهر الماضية، بدون أن تجد متابعة ورصدا أو قراءة علمية، ووضعها في السياق العام لنتائج الفساد وتراجع الكفاءة العامة.
خلال هذا الشهر، على سبيل المثال، شهدت مدرستان إصابات جماعية بالكبد الوبائي. الأولى؛ مدرسة حي نزال الابتدائية التي أصيب فيها، حسب الأرقام الرسمية، 33 طفلا نتيجة تلوث خزانات المياه. وعلى بعد 60 كلم، أصيب بنفس الوباء طلاب مدرسة في محافظة جرش نتيجة رداءة المرافق الصحية التي يستخدمونها، ونقص المياه في المدرسة. وقبل أسابيع قليلة، أثبتت نتائج التحقيقات أن السبب الحقيقي وراء المرض الغامض الذي انتشر في مستشفى الزرقاء الحكومي، وأدى إلى وفيات وصلت كوادر المستشفى، هو مستوى القذارة وتردي أحوال المستشفى. إذ أكد التقرير الذي أعده فريق من أطباء وزارة الصحة وخبراء من جامعة العلوم والتكنولوجيا أن إجراءات ضبط منع العدوى في أقسام العناية الحثيثة والمركزة في المستشفى في حالة يرثى لها، وأنه لا يوجد أي أثر لأي إجراءات تتعلق بمنع العدوى.
مع ازدياد انكشاف الفساد، يزداد يوما بعد يوم انكشاف عمق الآثار التي تركها في الحياة اليومية للناس؛ في التراجع المستمر لحجم الإنفاق على التعليم في الموازنات العامة مع استمرار التدهور في قطاعي التعليم العام والجامعي، في حالة الإنهاك التي وصلت إليها المستشفيات العامة ومستشفيات الجامعات وإغلاق أقسام حيوية فيها، وفي حالة التردي التي وصلت إليها البنى التحتية بشكل عام وعلى رأسها الطرق الخارجية، والتي تنعكس في الازدياد المستمر لحوادث السير المميتة، في شبكات المياه في بعض المحافظات التي لم تصلها الصيانة منذ ثلاثين عاما.
زيادة الضغط على الموارد، بالتزامن مع ارتفاع كلف الحياة بسبب توالي حدة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، تنقل الفئات العريضة من المجتمع إلى نمط من الاقتصاد السلعي القائم على سد الحاجات اليومية الأساسية من أردأ الأنواع، وتكتفي الأسر بالبحث عن سد حاجاتها اليومية بالكفاف من سلع وخدمات كانت في السابق ترفضها الأسواق، لأن معيار القدرات الشرائية عادة ما يحدد خصائص أجندة بضائع التجار. في هذا الوقت، أخذت مظاهر جديدة تتعمق في سلوك السوق، أهمها افتقاد المناعة فيما يعرض للناس من سلع وخدمات تفتقد أبسط معايير الجودة، ما دام هناك من يقبل عليها تحت وطأة جنون الأسعار وزيادة الطلب.
أليس الهدف المركزي لسياسات التنمية والتغير هو نوعية الحياة؟ أي حياة معافاة طويلة كريمة بدون مصادر تهديد يومية ترفع سقف التوقعات السلبية بالتعرض لها لدى قواعد عريضة من المجتمع؛ كل أولئك الذين يذهب أطفالهم كل صباح إلى المدارس، وكل أولئك الذين يضطرون إلى تناول وجباتهم في المطاعم العامة، وكل الناس الذين يشربون من الشبكة العامة للمياه، وكل الناس الذين يسيرون على الطرق الخارجية. كل أولئك أصبح سقف التوقعات السلبية مرتفعا بشأن تعرضهم لتهديدات تنال نوعية الحياة. كل هؤلاء وغيرهم هم من يدفعون ثمن الفساد من حياتهم كل يوم( الغد )