خطوة أردنية إلى الوراء

أضافت الصحفية لميس أندوني ، بوعيها المتقدم ، عبر صحيفة العرب اليوم 6/5/2012، إلى ما قالوه زملاءها الكتاب جمانة غنيمات " ما في فايدة " وماهر أبو طير " حكومة بتشكيلة باهتة " وخلاصات فهد الخيطان بقوله " لا نزال نراوح في مربع الأزمة على المستويين السياسي والأقتصادي " كتبت لميس تحت عنوان " العودة إلى المربع الأول " بقولها " أصبح من الواضح ، أنه وقبل إستقاله عون الخصاونة ، أن هناك توجهاً جديداً في صناعة القرار الأردني والتعامل مع الحراك والمطالب الشعبية ، إعتمد على إستنتاجات وتحليل للوضع الداخلي والخارجي ، عززت ثقة صناع القرار ، في القدرة على تحدي الشارع والقوى المنظمة وغير المنظمة ، وقدرته على ضبط إيقاع إصلاحات محدودة ، لا تؤدي إلى تغييرات جذرية من حيث ألية صنع القرار ، دون المساس بنفوذ مراكز القوى وسلطتها " .
ولذلك جاء إختيار فايز الطراونة كشخصية تقليدية محافظة ، رئيساً للحكومة ، وأعلن تمسكه بمشروع قانون الأنتخاب غير الديمقراطي الذي أعدته حكومة الخصاونة ، وإقرار قانون الأحزاب غير العصري ، بمثابة الأستدلال للمراقبين على تراجع أصحاب القرار ، وإنحسار تجاوبهم ، عن المطالب الشعبية ورغبات المجتمع الدولي .
لقد راهن الأردنيون على حكومة معروف البخيت في أن تكون أخر الحكومات التقليدية القائمة على التشكيل الجهوي المناطقي ، غير الحزبي ، غير السياسي وغير الديمقراطي ، ولكن حكومة البخيت أخفقت في أن تُسجل لنفسها ، هذا الوصف ، أي أنها أخر الحكومات التقليدية ، ورغم إنجازاتها النوعية ، في تعديل الدستور وتشكيل لجنة الحوار الوطني ونتائجها ، ولجنة الحوار الأقتصادي وتوصياتها ، ولكنها فشلت في أن تكون الأرضية الممهدة لحكومات برلمانية حزبية ، ورحلت مخلفة ملفاتها لحكومة عون الخصاونة الذي غادر مسرعاً بعد أن ترك قانوناً خلافياً للإنتخابات البرلمانية لم يحظ بقبول قوى المعارضة على مختلف تلاوينها ، تمسك به فايز الطراونة ، بإعتباره قانوناً تركيبياً مثل طبيخ الشحادين ، صاغته دوائر صنع القرار ويعكس مزاجها وفهمها وهي ما زالت أسيرة لقوى الشد العكسي غير الديمقراطية ، وتعبيرها الأبرز فايز الطراونة ، كموظف كبير في موقع متقدم يخلو ماضيه من الأنجاز والقيم الديمقراطية وشخصية محافظة بإمتياز ، ينفذ التعليمات ولا يستصيغ المبادرات ، في مرحلة إحتدام إجتماعي وتفاوت طبقي مدمر ، وتطورات سياسية متقلبة ، وإنحطاط إقتصادي ومالي فاقمته إجراءات سلسلة الحكومات المتعاقبة التي فشلت في معالجة1- المديونية و2- العجز في الموازنة ، و3- شيوع البطالة والفقر وسوء الخدمات .
أسباب وجيهة تقف وراء ، التراجع ، من محطة موقف حكومة البخيت المتقدم ، إلى محطة فايز الطراونة مروراً بمحطة عون الخصاونة ، أسباب يمكن تلخيصها بالعوامل التالية :
أولاً : جمود مسار ثورة الربيع العربي ، في المحطة السورية ، وفشل المعارضة في إسقاط نظام اللون الواحد والحزب ، والعائلة والطائفة ، وعدم قدرتها للأن على تحقيق نظام ديمقراطي تعددي ، يقوم على مبدأ تداول السلطة إعتماداً على نتائج صناديق الأقتراع ، فالثورة الشعبية العربية قامت من أجل تحقيق هدفين أولهما: قيام أنظمة جمهورية ذات رؤساء منتخبين ، وثانيهما : قيام أنظمة ملكية تقوم على أساس حكومات برلمانية حزبية تشكلها الأغلبية وفق نتائج صناديق الأقتراع .
فشل الثورة في سوريا وصمود نظام حزب البعث بسبب عوامل متعددة ، إنعكس على القرار السياسي الأردني بالتباطؤ والتراجع وعدم الأقدام على خطوات جوهرية تلبي الوعد الملكي والرغبة الشعبية في التوصل إلى قيم ومفاهيم وقوانين عصرية ديمقراطية تختزل عوامل الزمن في الوصول إلى حكومة برلمانية حزبية ، فمشروع قانون الأنتخاب والأجراءات المقترحة لن تؤدي إلى هذا التطلع الجوهري بتشكيل حكومات برلمانية حزبية مثلما لا تعكس التقدم نحو نظام نيابي ملكي كما ينص الدستور .
ثانياً : نجاح الدبلوماسية الأردنية وجهودها الحثيثة في عقد المفاوضات الأستكشافية الفلسطينية الأسرائيلية في عمان ، إستجابة لرغبتي واشنطن وتل أبيب ، قدم خدمة كبيرة لخيارات التملص من الأستحقاقات الديمقراطية للأردنيين ودفعت واشنطن للتراخي عن مطالبها العلنية في تقديم إصلاحات جدية ، نحو قبول إجراءات شكلية ، إنعكست في الوفد الأميركي الزائر لعمان برئاسة مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلدمان الذي أشاد بالأجراءات الحكومية بعد أن كان متحفظاً عليها العام الماضي ، وهذا التحول في الموقف الأميركي سببه تقدير واشنطن لجهود عمان التفاوضية الأستكشافية خدمة لأدارة الرئيس أوباما ومصالحه الأنتخابية .
ثالثاً : فشل المعارضة في توحيد صفوفها وخطواتها وتكتيكاتها وتوزعها ما بين ثلاث تيارات 1- تيار الإخوان المسلمين ومن يتبعهم 2- تيار القوى القومية واليسارية 3- تيار الحراك الشعبي الذي ما زال يتلمس طريقه ويستكشف هويته ويتشكل بالتدرج والنمو مراكماً الخبرات والتجارب ، فتارة يتحالف مع قوى المعارضة وتارة يخرج عنها ، كما يفعل الإخوان المسلمين مع القوى القومية واليسارية ، تارة ينظمون حراكات مشتركة وتارة ينفصلون وهذا يؤدي إلى ضعف الحراكات التي ما زالت تتسم بالطابع الحزبي ولم تتحول إلى حركة شعبية ناهضة .
رابعاً : تنشيط القوى المحافظة بسلسلة من الحراكات والمسيرات المؤيدة للنظام ، عبر الحشد في عمان والمحافظات لأظهار ضعف المعارضة ، وإظهار قوة القاعدة الأجتماعية للنظام ، وجميعها تلتقي في نقطتين تأييد الملك وحفظ النظام ، مع التأكيد على المطالبة بالأصلاحات التدريجية غير الجوهرية .
لهذه الأسباب مجتمعة تراجع الأندفاع الأردني في مساره الأصلاحي ، ولم يصل إلى المستوى المغربي مثلاً الذي قطع شوطاً جوهرياً في الوصول إلى حكومة برلمانية حزبية ، شكلتها الأغلبية ، وبقي الأردن وخياراته أسيراً للماضي ، عاجزاً عن التقدم الحقيقي نحو نظام نيابي ملكي يقوم على إدارة حكومة برلمانية حزبية ، نتاج للأغلبية البرلمانية والتي ما زالت مفقودة في ظل قانون لن يلبي تطلعات الأردنيين بهذا الاتجاه .