اضراب البوتاس ... وصمت الحكومة
لليوم الثامن عشر ، يستمر اضراب عمال شركة البوتاس العربية ، ويستمر تعنت الادارة الكندية ، التي من المفروض انها اشترت 26% من اسهم الشركة ، ومع ذلك تسيطر على ادارة الشركة تماما ، المدير العام ونائبيه للشؤون الفنية والمالية ، هم من حملة الجنسية الكندية ، ونائبين اخرين اردنيين يعينهم الكنديون ، ويستبدل المدراء الكنديون كل ثلاث سنوات ، رواتب خيالية ، فلل وسيارات ومزايا وفنادق ومطاعم واسفار وغيرها ، معظم القادمين الينا متقاعدون ، ينفقون على المدراء العرب بسخاء لشراء ذممهم ، كي يمارسوا الظلم والقهر على ابناء وطنهم ، وقد نجحوا في ذلك ايما نجاح ، لانهم يعرفون نفسية العربي ، عندما يمتلك السلطة ويمنح العطايا ويتلقى التعليمات ، درسوا هذه النفسية بشكل واف ، وحصلوا على نتائج باهرة ، لا بل حصلوا من بعض المدراء على اكثر مما توقعوا .
لقد ابدع مدرائنا العرب بالظلم والقهر ، لانهم يدركون بمخزون ثقافتهم كره الاجنبي للعربي ، فيتسابقون لايذاء بني قومهم ، لكسب ود ذاك الاجنبي ، فتنهال العطايا ، وتجدد العقود ، ويعين ابناء المدراء تحت جنح الظلام ، بطرق ملتوية ، فيحصل حديث التخرج منهم ، على راتب مهندس امضى في العمل الميداني الشاق عشرين عاما ، وتتفتق عبقرية ذاك المدير المنتفع ، عن اساليب ابداعية في الايذاء ، من خلال التلاعب بالتقاييم ، فمن يصدق ان مهندسا امضى في شركة البوتاس 25 عاما ، عمل في اصعب الظروف ، وتعرض للموت اكثر من مرة ، عمل الاف الساعات الاضافية بدون مقابل ، ليلا ونهارا ، وكانت تقاييمه السنوية قبل مجيء الكنديين هي ممتاز لكل السنوات ، وبعد قدوم الكنديين ، واوامرهم للمدراء بتحديد نسب لكل تقييم ، يصبح تقييم ذلك المهندس جيد جدا ، وعندما يقترب موعد حصوله على الدرجة الادارية الثانية ، ومزاياها التي لا تصل الى عشرين دينارا ، يقوم هذا المدير المبدع يوسائل الايذاء ، بتقييم المهندس بتقدير جيد اخر عامين ، ودون اطلاعه على تقييمه كما تشترط الانظمة المعمول بها في الشركة ، هل تعلمون لماذا ، لان شرط الانتقال لتلك الدرجة الادارية ، يتطلب ان يكون تقييم اخر عامين جيد جدا ، ومن لا يصدق ، فليسال عن ذلك المدير ، اي موظف في شركة البوتاس .
وجه اخر من اوجه الايذاء او التنفيع ، يقوم المدير المبدع بوسائل الايذاء ، بتقليص حجم العمل لرئيس قسم ما ، حتى يكون مبررا لحرمانه من الموقع الذي يستحقه في الهيكلة ، وفي نفس الوقت ، يقوم بتوسيع عمل مهندس اخر ، والحاق اقسام اخرى به ، ولا علاقة لها بعمله ، فقط من اجل تنفيعه ، اسالوا ذلك المدير ، عن المملكة التي كان يعدها لنفسه ، قبل ان يصبح مديرا .
عندما تعيش مثل هذا الظلم ، لا بد ان تحتج ، طبعا الاحتجاج لنفس المدير لن يجدي نفعا ، فلا مصلحة له بدعمك ، بل يدعم رئيس قسم اخر ، حتى يفسح المجال لقريب له كي يترفع ، لا بد في هذه الحالة ان تذهب لمن هو اعلى منه مرتبة ، وهم الكنديون ، فيرفضون الاستماع للشكوى ، ويقولون له بما معناه ، اذهب وتذلل الى مديرك ، تبعث لهم الشكوى ورقية او بالبريد الالكتروني عشرات المرات ، وطوال سنين المعاناة مع الخصخصة ، فلا من مجيب ، فما هوالحل بالله عليكم ؟
لقد اقام الكنديون الحواجز بينهم وبين العاملين ، ولا يتعاملون الا مع المدراء ، الذين زادوا فسادا مع هذه الصلاحيات المطلقة ، فقد اصبح المدير العربي الحاكم بامر الله ، سياسة "فرق تسد " الاستعمارية هي صفة هذه الادارة الاجنبية ، تماما كما كان يفعل المستعمر البريطاني ، بالتعامل مع بعض شيوخ العشائر ، واغداق الاموال عليهم ، او بالاصح الفتات ، لكنه لهم كثير جدا ، من اجل السيطرة على ابناء القبائل ومنع انتفاضتهم ، وكما فعل العدو الصهيوني سابقا ، من خلال روابط القرى ، التي اقامها في الضفة الغربية .
خسائر شركة البوتاس تتجاوز الخمسة ملايين دولار يوميا بسبب الاضراب الحالي ، عدا عشرات الشركات الاخرى التي توقفت مصانعها ، لاعتمادها على املاح البحر الميت ، التي تنتجها شركة البوتاس ، وعدا عن الغرامة اليومية لمتعهد الحفر الهولندي ، وعدا عن الاثار السبية لتوقف محطة الضخ الرئيسية على الانتاج مستقبلا ، ومع ذلك فان المستمثر الاجنبي ، وبدعم صامت من الحكومة ، يستمر في تعنته ، وتحديه للاردنيين في وطنهم .
اعتقد ان الكندي لن يتاثر لو اغلق المصانع لعامين ، فقد سبق واوقفوا المصانع لمدة اربع اشهر عام 2009 ، وحققوا ارباحا ذلك العام ، وكان سبب الاغلاق هو انخفاض سعر البوتاس ، ويستطيعون مع اضرابنا هذه الايام ان يفوا بعقودهم ، باستبدال البوتاس الاردني بالاسرائيلي ، وتصديره من ميناء ايلات ، المجاور لميناء العقبة ، وزيادة حجم التصدير من كندا وروسيا ، وربما يؤدي توقف المصانع في الاردن لزيادة سعر البوتاس عالميا ، اذن الكنديون مستفيدون ، والصهاينة مستفيدون ، اما الخاسر الاوحد فهو الحكومة الاردنية ، التي تمتلك 26% ايضا من اسهم البوتاس ، وبالتالي ستفقد نفس النسبة من الارباح ، بالاضافة الى ضرائب اخرى على كل طن يصدر ، ورسوم الميناء في العقبة ، وضريبة نقل على الطرقات وغيرها ، ومع ذلك فان حكومتنا صامتة ، لا ندري لماذا ؟ فهل هناك فساد في اتفاقية الخصخصة والبيع ، خاصة انها لم تمر بالمراحل الدستورية ، ورغم ثقتنا بان نواب ال 111 لن يمرروا افضل منها ، ولن يعترضوا سبيلها ، ونحن نعلم ان ملف البوتاس ارسل الى هيئة مكافحة الفساد مرتين ، ثم سحب بقدرة قادر ، ام ان الاتفاقية فيها بنود تنتهك السيادة الاردنية على ارضها وثروتها ، هل تم بيع العمال مع منشآت شركة البوتاس ، فهذه تساؤلات مشروعة لعمال البوتاس اليوم ، امام تعنت الادارة الكندية بالاستجابة لمطالبهم ، دون ان تحسب حسابا لسيادتنا الوطنية ، او لحكومتنا ، فلا تخشى من غيرتها على المصلحة الوطنية ، ونامل ان يكون ما يشاع ، عن انحياز رئيس الحكومة الجديد للكنديين غير صحيح ، فابناء الوطن في البوتاس هم اصحاب حق ، طلاب كرامة وعدالة ومساواة ، والكندي مع الاسف ، اساء لكرامة الاردنيين ، عندما اساء لكرامة عمال البوتاس ، فقد تجلت هذه الاساءة منذ البداية ، عندما اوصد الكنديون الابواب في وجوه العمال ، ومنحوا المدراء العرب الصلاحيات المطلقة لممارسة الظلم ضد ابناء وطنهم ، ولم يقبلوا اي شكوى ضدهم ، فاصبح المدير العربي هو القاضي والخصم ، واصبح على الموظف الاردني ، ان يمارس التذلل امام مديره العربي ، كي ينال حقه ، لكن هيهات لهم ذلك ، فشعبنا هو شعب الكرامة ، ولم يرضخ الاردني يوما لعدو او محتل او مستبد .
لقد كانت هيكلة الرواتب ، كارثة حلت على المئات من العاملين في البوتاس ، ولعل المتابع للاضراب ، قد لاحظ التركيز على ان ادنى راتب في البوتاس وهو 950 دينار ، كما صرح احد مسؤولي الشركة ، رغم انه للبعض اقل من ذلك ، وكما شهدنا في تعليقات الاخوة المواطنين ، وبالاخص موظفي القطاع العام ، الذين نحس بمعاناتهم ، وهدر حقوقهم في الراتب الملائم ، لقد كان ادنى راتب هو فخ نصب لنا ، ليتوهم من يقرأ تلك المعلومة ، ان رواتب الاقدم من الموظفين ، هي اعلى بكثير ، لكن ليعلم المواطن ان بعض الموظفين الجدد ، قد اصبحوا يتقاضون رواتبا اعلى من القدامى ، ولا يتوهم احد ان لذلك اسسا محددة ، لقد كانت عملية توزيع زيادة الراتب عام 2008 ، مهزلة ظالمة ، بنيت على اسس المحسوبية ، واذا اضفنا لها ماساة مكافاة نهاية الخدمة ، التي توقف العمل بها عام 1986 للموظفين الجدد فقط ، واستمرت للقدامى حتى اليوم ، وان بعض المدراء العرب يحصل على ثلاثة ارباع المليون دينار اردني كمكافاة نهاية خدمة ، وعلى الحد الاعلى من راتب الضمان الاجتماعي وهو 5000 دينار ، وان اكثر من 700 موظف ممن تم تعيينهم بعد 1986 ، وشارفوا على التقاعد ، لن يحصلوا الا على راتبهم التقاعدي الهزيل ، امام موجة الغلاء الحالي والمنتظر ، من بركات حكومتنا الجديدة ، فاين العدالة والمساواة ، يا دعاة العدالة المساواة ، يا من اشعلتم الحروب ، ودمرتم دولا ، وقتلتم عشرات الالوف ن باسم الحرية والعدالة والديمقراطية ؟ كيف تنتقصون من حقوقنا ، وتلغون من مكتسباتنا ، واخرها بوليصة التامين ، وجميعها مكتسبات حصلنا عليها من الادارات العربية ؟ الا يستحق عمال المياومة ، الذين قدموا الشهداء ، واخرهم عامل عاش معاناة قطع ارجله في الناقل اللولبي ، قبل ان يتوفاه الله ، ثم يحرم من تعويض عادل بعد مماته ، كما حرم من حقوقه اثناء حياته ، يعمل 14 يوما في الشهر ، وتضللون الراي العام وتقولون ، ان عامل المياومة يحصل على 22 دينار في اليوم ، دون الاشارة الى ان عمله اقل من نصف شهر ؟
امام تعنت الكندي ، وتخاذل الحكومة ، يتدارس عمال البوتاس اجراءات تصعيدية ، من خلال المطالبة بفتح ملف الخصخصة ، ورفع سقف المطالب ، بعد ان تجاهلتنا الحكومة ، وتجاهلت دورها الوطني ، تجاه 2400 عامل واسرهم ، وخسارة الملايين من ارباح الحكومة كل يوم ، بينما تلهث الى رفع الاسعار لتعويض نقص الخزينة ، لماذا لا تضغط على شخص اجنبي يتحكم باكبر صروحنا الاقتصادية ، كيف لنا ان نتقبل ما قاله رئيس الوزراء بالامس ، من ان الاصلاح الاقتصادي يضطرنا الى رفع الاسعار ، ونحن نعلم ان الاصلاح الاقتصادي يتطلب فتح كل ملفات الفساد ، وفتح ملف البوتاس ، واجبار الكنديين على تشغيل المصانع بعد الاستجابة لطلبات العمل ، ويتطلب الاصلاح ايضا معاقبة الفاسدين ، لصوص الشعب الاردني ، واستعادة الاموال المنهوبة ، وليس اجبار فقراء شعبنا على دفع ما سرقه اللصوص ، واجبار المتعقلين ، على خلع رداء التعقل .
ارض البوتاس ، وارض الاغوار ، ارض غالية علينا ، جبلت بدماء شهائنا ، من ابطال القوات المسلحة الاردنية الباسلة ، ابان حرب الاستنزاف مع العدو الصهيوني ، وارض البوتاس ، جبلت بدماء شهدائنا ، من ابطال سلاح الهندسة الملكي ، الذين قضوا ، خلال عمليات نزع الالغام ، وارض البوتاس ، جبلت بدماء شهداء الانتاج من عمال البوتاس ، لن نفرط بارضنا وثرواتنا وحقوقنا ، لكائن من كان ، شاء من شاء ، وابى من ابى .