اضراب البوتاس ... وصمت الحكومة

تم نشره الإثنين 14 أيّار / مايو 2012 07:33 مساءً
اضراب البوتاس ... وصمت الحكومة
مالك نصراوين

لليوم الثامن عشر ، يستمر اضراب عمال شركة البوتاس العربية ، ويستمر تعنت الادارة الكندية ، التي من المفروض انها اشترت 26% من اسهم الشركة ، ومع ذلك تسيطر على ادارة الشركة تماما ، المدير العام ونائبيه للشؤون الفنية والمالية ، هم من حملة الجنسية الكندية ، ونائبين اخرين اردنيين يعينهم الكنديون ، ويستبدل المدراء الكنديون كل ثلاث سنوات ، رواتب خيالية ، فلل وسيارات ومزايا وفنادق ومطاعم واسفار وغيرها ، معظم القادمين الينا متقاعدون ، ينفقون على المدراء العرب بسخاء لشراء ذممهم ، كي يمارسوا الظلم والقهر على ابناء وطنهم ، وقد نجحوا في ذلك ايما نجاح ، لانهم يعرفون نفسية العربي ، عندما يمتلك السلطة ويمنح العطايا ويتلقى التعليمات ، درسوا هذه النفسية بشكل واف ، وحصلوا على نتائج باهرة ، لا بل حصلوا من بعض المدراء على اكثر مما توقعوا .

لقد ابدع مدرائنا العرب بالظلم والقهر ، لانهم يدركون بمخزون ثقافتهم كره الاجنبي للعربي ، فيتسابقون لايذاء بني قومهم ، لكسب ود ذاك الاجنبي ، فتنهال العطايا ، وتجدد العقود ، ويعين ابناء المدراء تحت جنح الظلام ، بطرق ملتوية ، فيحصل حديث التخرج منهم ، على راتب مهندس امضى في العمل الميداني الشاق عشرين عاما ، وتتفتق عبقرية ذاك المدير المنتفع ، عن اساليب ابداعية في الايذاء ، من خلال التلاعب بالتقاييم ، فمن يصدق ان مهندسا امضى في شركة البوتاس 25 عاما ، عمل في اصعب الظروف ، وتعرض للموت اكثر من مرة ، عمل الاف الساعات الاضافية بدون مقابل ، ليلا ونهارا ، وكانت تقاييمه السنوية قبل مجيء الكنديين هي ممتاز لكل السنوات ، وبعد قدوم الكنديين ، واوامرهم للمدراء بتحديد نسب لكل تقييم ، يصبح تقييم ذلك المهندس جيد جدا ، وعندما يقترب موعد حصوله على الدرجة الادارية الثانية ، ومزاياها التي لا تصل الى عشرين دينارا ، يقوم هذا المدير المبدع يوسائل الايذاء ، بتقييم المهندس بتقدير جيد اخر عامين ، ودون اطلاعه على تقييمه كما تشترط الانظمة المعمول بها في الشركة ، هل تعلمون لماذا ، لان شرط الانتقال لتلك الدرجة الادارية ، يتطلب ان يكون تقييم اخر عامين جيد جدا ، ومن لا يصدق ، فليسال عن ذلك المدير ، اي موظف في شركة البوتاس .

وجه اخر من اوجه الايذاء او التنفيع ، يقوم المدير المبدع بوسائل الايذاء ، بتقليص حجم العمل لرئيس قسم ما ، حتى يكون مبررا لحرمانه من الموقع الذي يستحقه في الهيكلة ، وفي نفس الوقت ، يقوم بتوسيع عمل مهندس اخر ، والحاق اقسام اخرى به ، ولا علاقة لها بعمله ، فقط من اجل تنفيعه ، اسالوا ذلك المدير ، عن المملكة التي كان يعدها لنفسه ، قبل ان يصبح مديرا .

عندما تعيش مثل هذا الظلم ، لا بد ان تحتج ، طبعا الاحتجاج لنفس المدير لن يجدي نفعا ، فلا مصلحة له بدعمك ، بل يدعم رئيس قسم اخر ، حتى يفسح المجال لقريب له كي يترفع ، لا بد في هذه الحالة ان تذهب لمن هو اعلى منه مرتبة ، وهم الكنديون ، فيرفضون الاستماع للشكوى ، ويقولون له بما معناه ، اذهب وتذلل الى مديرك ، تبعث لهم الشكوى ورقية او بالبريد الالكتروني عشرات المرات ، وطوال سنين المعاناة مع الخصخصة ، فلا من مجيب ، فما هوالحل بالله عليكم ؟


لقد اقام الكنديون الحواجز بينهم وبين العاملين ، ولا يتعاملون الا مع المدراء ، الذين زادوا فسادا مع هذه الصلاحيات المطلقة ، فقد اصبح المدير العربي الحاكم بامر الله ، سياسة "فرق تسد " الاستعمارية هي صفة هذه الادارة الاجنبية ، تماما كما كان يفعل المستعمر البريطاني ، بالتعامل مع بعض شيوخ العشائر ، واغداق الاموال عليهم ، او بالاصح الفتات ، لكنه لهم كثير جدا ، من اجل السيطرة على ابناء القبائل ومنع انتفاضتهم ، وكما فعل العدو الصهيوني سابقا ، من خلال روابط القرى ، التي اقامها في الضفة الغربية .

خسائر شركة البوتاس تتجاوز الخمسة ملايين دولار يوميا بسبب الاضراب الحالي ، عدا عشرات الشركات الاخرى التي توقفت مصانعها ، لاعتمادها على املاح البحر الميت ، التي تنتجها شركة البوتاس ، وعدا عن الغرامة اليومية لمتعهد الحفر الهولندي ، وعدا عن الاثار السبية لتوقف محطة الضخ الرئيسية على الانتاج مستقبلا ، ومع ذلك فان المستمثر الاجنبي ، وبدعم صامت من الحكومة ، يستمر في تعنته ، وتحديه للاردنيين في وطنهم .

اعتقد ان الكندي لن يتاثر لو اغلق المصانع لعامين ، فقد سبق واوقفوا المصانع لمدة اربع اشهر عام 2009 ، وحققوا ارباحا ذلك العام ، وكان سبب الاغلاق هو انخفاض سعر البوتاس ، ويستطيعون مع اضرابنا هذه الايام ان يفوا بعقودهم ، باستبدال البوتاس الاردني بالاسرائيلي ، وتصديره من ميناء ايلات ، المجاور لميناء العقبة ، وزيادة حجم التصدير من كندا وروسيا ، وربما يؤدي توقف المصانع في الاردن لزيادة سعر البوتاس عالميا ، اذن الكنديون مستفيدون ، والصهاينة مستفيدون ، اما الخاسر الاوحد فهو الحكومة الاردنية ، التي تمتلك 26% ايضا من اسهم البوتاس ، وبالتالي ستفقد نفس النسبة من الارباح ، بالاضافة الى ضرائب اخرى على كل طن يصدر ، ورسوم الميناء في العقبة ، وضريبة نقل على الطرقات وغيرها ، ومع ذلك فان حكومتنا صامتة ، لا ندري لماذا ؟ فهل هناك فساد في اتفاقية الخصخصة والبيع ، خاصة انها لم تمر بالمراحل الدستورية ، ورغم ثقتنا بان نواب ال 111 لن يمرروا افضل منها ، ولن يعترضوا سبيلها ، ونحن نعلم ان ملف البوتاس ارسل الى هيئة مكافحة الفساد مرتين ، ثم سحب بقدرة قادر ، ام ان الاتفاقية فيها بنود تنتهك السيادة الاردنية على ارضها وثروتها ، هل تم بيع العمال مع منشآت شركة البوتاس ، فهذه تساؤلات مشروعة لعمال البوتاس اليوم ، امام تعنت الادارة الكندية بالاستجابة لمطالبهم ، دون ان تحسب حسابا لسيادتنا الوطنية ، او لحكومتنا ، فلا تخشى من غيرتها على المصلحة الوطنية ، ونامل ان يكون ما يشاع ، عن انحياز رئيس الحكومة الجديد للكنديين غير صحيح ، فابناء الوطن في البوتاس هم اصحاب حق ، طلاب كرامة وعدالة ومساواة ، والكندي مع الاسف ، اساء لكرامة الاردنيين ، عندما اساء لكرامة عمال البوتاس ، فقد تجلت هذه الاساءة منذ البداية ، عندما اوصد الكنديون الابواب في وجوه العمال ، ومنحوا المدراء العرب الصلاحيات المطلقة لممارسة الظلم ضد ابناء وطنهم ، ولم يقبلوا اي شكوى ضدهم ، فاصبح المدير العربي هو القاضي والخصم ، واصبح على الموظف الاردني ، ان يمارس التذلل امام مديره العربي ، كي ينال حقه ، لكن هيهات لهم ذلك ، فشعبنا هو شعب الكرامة ، ولم يرضخ الاردني يوما لعدو او محتل او مستبد .

لقد كانت هيكلة الرواتب ، كارثة حلت على المئات من العاملين في البوتاس ، ولعل المتابع للاضراب ، قد لاحظ التركيز على ان ادنى راتب في البوتاس وهو 950 دينار ، كما صرح احد مسؤولي الشركة ، رغم انه للبعض اقل من ذلك ، وكما شهدنا في تعليقات الاخوة المواطنين ، وبالاخص موظفي القطاع العام ، الذين نحس بمعاناتهم ، وهدر حقوقهم في الراتب الملائم ، لقد كان ادنى راتب هو فخ نصب لنا ، ليتوهم من يقرأ تلك المعلومة ، ان رواتب الاقدم من الموظفين ، هي اعلى بكثير ، لكن ليعلم المواطن ان بعض الموظفين الجدد ، قد اصبحوا يتقاضون رواتبا اعلى من القدامى ، ولا يتوهم احد ان لذلك اسسا محددة ، لقد كانت عملية توزيع زيادة الراتب عام 2008 ، مهزلة ظالمة ، بنيت على اسس المحسوبية ، واذا اضفنا لها ماساة مكافاة نهاية الخدمة ، التي توقف العمل بها عام 1986 للموظفين الجدد فقط ، واستمرت للقدامى حتى اليوم ، وان بعض المدراء العرب يحصل على ثلاثة ارباع المليون دينار اردني كمكافاة نهاية خدمة ، وعلى الحد الاعلى من راتب الضمان الاجتماعي وهو 5000 دينار ، وان اكثر من 700 موظف ممن تم تعيينهم بعد 1986 ، وشارفوا على التقاعد ، لن يحصلوا الا على راتبهم التقاعدي الهزيل ، امام موجة الغلاء الحالي والمنتظر ، من بركات حكومتنا الجديدة ، فاين العدالة والمساواة ، يا دعاة العدالة المساواة ، يا من اشعلتم الحروب ، ودمرتم دولا ، وقتلتم عشرات الالوف ن باسم الحرية والعدالة والديمقراطية ؟ كيف تنتقصون من حقوقنا ، وتلغون من مكتسباتنا ، واخرها بوليصة التامين ، وجميعها مكتسبات حصلنا عليها من الادارات العربية ؟ الا يستحق عمال المياومة ، الذين قدموا الشهداء ، واخرهم عامل عاش معاناة قطع ارجله في الناقل اللولبي ، قبل ان يتوفاه الله ، ثم يحرم من تعويض عادل بعد مماته ، كما حرم من حقوقه اثناء حياته ، يعمل 14 يوما في الشهر ، وتضللون الراي العام وتقولون ، ان عامل المياومة يحصل على 22 دينار في اليوم ، دون الاشارة الى ان عمله اقل من نصف شهر ؟

امام تعنت الكندي ، وتخاذل الحكومة ، يتدارس عمال البوتاس اجراءات تصعيدية ، من خلال المطالبة بفتح ملف الخصخصة ، ورفع سقف المطالب ، بعد ان تجاهلتنا الحكومة ، وتجاهلت دورها الوطني ، تجاه 2400 عامل واسرهم ، وخسارة الملايين من ارباح الحكومة كل يوم ، بينما تلهث الى رفع الاسعار لتعويض نقص الخزينة ، لماذا لا تضغط على شخص اجنبي يتحكم باكبر صروحنا الاقتصادية ، كيف لنا ان نتقبل ما قاله رئيس الوزراء بالامس ، من ان الاصلاح الاقتصادي يضطرنا الى رفع الاسعار ، ونحن نعلم ان الاصلاح الاقتصادي يتطلب فتح كل ملفات الفساد ، وفتح ملف البوتاس ، واجبار الكنديين على تشغيل المصانع بعد الاستجابة لطلبات العمل ، ويتطلب الاصلاح ايضا معاقبة الفاسدين ، لصوص الشعب الاردني ، واستعادة الاموال المنهوبة ، وليس اجبار فقراء شعبنا على دفع ما سرقه اللصوص ، واجبار المتعقلين ، على خلع رداء التعقل .

ارض البوتاس ، وارض الاغوار ، ارض غالية علينا ، جبلت بدماء شهائنا ، من ابطال القوات المسلحة الاردنية الباسلة ، ابان حرب الاستنزاف مع العدو الصهيوني ، وارض البوتاس ، جبلت بدماء شهدائنا ، من ابطال سلاح الهندسة الملكي ، الذين قضوا ، خلال عمليات نزع الالغام ، وارض البوتاس ، جبلت بدماء شهداء الانتاج من عمال البوتاس ، لن نفرط بارضنا وثرواتنا وحقوقنا ، لكائن من كان ، شاء من شاء ، وابى من ابى .

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات