المعارضة وتعويم المفهوم
نحمد الله على ما وصلت إليه البشرية من علوم ، ومعارف ، واختراعات مما يسّــر على أبنائها التواصل المباشر بالصوت ، والصورة ، والكلمة المكتوبة ، ومن أسمى أهداف التواصل البشري تبادل المعارف ، والمصالح المشتركة الفردية ، والجماعية ، ولن يتم ذلك دون فهم حقيقي للمصطلحات التي نستخدمها ، فوسيلتنا للتواصل لغة مكتوبة، أو منطوقة ، من هنا أصبحت مسؤوليتنا في حُسن استخدام المصطلح ضرورة نحتاج معها إلى معرفة واسعة بأسرار اللغة ، ومعانيها ، ومصطلحاتها وإلا أصبحت صورة تواصلنا مشوهة كل التشويه ، وليس من السهل في هذا المقال رصد كل ما في هذه اللغة من أسرار ومعانٍ بعد أن كثُـرت في لغة خطاباتنا اليومية مصطلحات كثيرة ، أساء بعضنا استخدامها مما أفقدها من معناها ، وحمّــلها من مفاهيمه الخاطئة، ومعلوماته الناقصة ما لا تتسع حروفها مما يرمي إليه سواء أكان ذلك بحسن نية، أم بسوئها . حتى أصبحنا نعيش في فوضى المصطلح ، وبالتالي وصلنا إلى لغة خطاب هشـّة لا نستطيع معها التواصل الحقيقي البنــّاء .
انتشرت في الفترة الأخيرة مصطلحات أخذت من حضورها اليومي أهمية في الحراك الاجتماعي ، والسياسي ، والاقتصادي ، ومن هذه المصطلحات – الفساد ، الإصلاح ، المعارضة - وغابت في ذات الوقت عن كثير من المهتمين ضرورة فهم المصطلح بأبعاده الحياتية ، والسياسية ، واللغوية الاصطلاحية حتى يتمكنوا من الوصول إلى الهدف الحقيقي من خلال لغة حوار متوازنة واضحة في مفهوم مصطلحها ، لأنه إذا فسُـد التشخيص فسُـد العلاج .
اليوم سأتحدث عن مصطلح واحد فقط ، أخذ من مستخدمينه مذاهب شتى حتى اختلط مفهوم المصطلح مع مفاهيم كثيرة كلها بعيدة ومتناقضة معه ، وهذا المصطلح هو ( المعارضة ) التي أصبحت بمفهوم البعض ( العداوة ) ، فالمعارضة بمفهومها الحقيقي الوحيد ضمن مدلولها السياسي ، والاجتماعي هي اختلاف القيادات الحزبية ، والفكرية ، والشعبية مع بعض سياسات الحكومة بكل أركانها ، القيادية ، والوزارية ، والبرلمانية ، وليس مع جميع سياساتها وإلا كان الأمر يحتاج إلى مصطلح آخر .
يفهم البعض أن المعارضة هي التمترس في الخندق المقابل والمواجه لخندق الحكومة ، وبالتالي فتح النار عليها ، بالسب ، والتجريح ، والنيل من مواقفها أياً كانت هذه المواقف ، وهذا المفهوم الخاطئ أوصلنا إلى نقطة العداء الحقيقي مع الحكومة ، وليس الخصام ، والعتاب ، فمتى بالله عليكم كان الأردني المنتمي لوطنه عدواً لحكومته بأركانها الثلاث ؟؟ ومتى كان وقوفه معها في المواقف الصائبة سُـبّة وعاراً ؟ لكنه معارض لقرارات وسياسات يراها عاجزة عن تحقيق أهداف الأردنيين بكافة فئاتهم السكانية .
إنني أعلنها أمام الجميع ومن مفهوم ما سبق ، بأنني معارض للحكومة في قرارات كثيرة ، ولكنني لن أكون في يوم من الأيام عدواً لها ، وسأبقى أثمن كل خير تقوم به الحكومة بأركانها الثلاث ، وأعارض ما أراه عاجزاً عن تحقيق الهدف ، وبالتالي لن يضيرني إذا مدحتُ مسؤولاً إذا أصاب ، وأعارضه إذا أخطأ فهذا واجبي نحوه ، وحقه مني في ذلت الوقت .
إنني في صف المعارضة من أجل حرية الأردن ، وأمن الأردن ، والعيش الكريم للمواطن الأردني ، وأنا مع الحكومة حين تحقق هذه الأهداف أو بعضها ، وسوف أهتف لها ، ومن أجلها كلما حققت هدفاً نبيلاً نسعى كلنا إليه .
إن السياسي الأردني حين يمدح ويهتف لليهودي المغتصب أرضه يكون خائناً لأمته ووطنه ، وهو حين يمدح الحكومة على خير فعلته ، فهذا واجبه ، ولن يكون متملقاً أو منبطحاً تحت أقدامها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، وقيل له كيف ننصره ظالماً ؟ قال عليه السلام نمنعه من الظلم ، وهذا الكلام هو أول وأوضح صورة لمفهوم المعارضة الفاعلة الحقيقية ، وقد وصلنا إليها قبل أن يرددها الآخرون بعدنا بأكثر من ألف سنة ، وهذه هي المعارضة التي أعمل من خلال مفهومها .