خدمة مدنية في بيئة متجددة.. الهيكلة نموذجاً..!!
هل يستطيع وزير تطوير القطاع العام ومن في زمرته من مسؤولي الوزارة وديوان الخدمة المدنية أن يصارحوا المشاركين في مؤتمر (الخدمة المدنية في بيئة متجددة)، الذي تحتضنه عمّان والذي يفتخر ديوان الخدمة المدنية بأن فكرته انبثقت عنه، بتداعيات ونتائج ثورة القطاع العام الأردني على وزارة التطوير ونظام هيكلتها المزعوم التي ابتدعته ونفّذته الوزارة بطريقة غير عادلة لم تراعِ كافة الأبعاد والخصوصيات والمكتسبات الوظيفية والمؤسسية، ما أدّى إلى حدوث احتقان بالغ الخطورة في جسم القطاع العام للدولة فانتفضت لمقاومته والاحتجاج عليه معظم شرائح موظفي الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة، وعلى رأسهم آلاف المعلمين..!!؟
في مثل هذه البيئة المفعمة بالاحتقان والتوتر، هل يملك الوزير المحترم وأمين عام ديوان الخدمة المحترم أن يخبرانا ويخبرا المؤتَمِرين كيف ستقود الهيكلة الأردنية إلى خلق بيئة متجددة تسهم في تطوير مستوى الخدمة المقدّمة للمواطنين أو تسهم بالانتقال الصحيح من إدارة شؤون الموظفين إلى إدارة الموارد البشرية..!!؟؟
هل يملك وزير التطوير المحترم أن يصارح المؤتمرين بجملة التنازلات المالية الهائلة التي قدّمها، مرغماً، لفئات عريضة من موظفي القطاع العام لإقناعهم بالهيكلة واسترضائهم ببركاتها والتي أخذ معها وزير المالية السابق ووزيرها الحالي يصرخان بأعلى الصوت جرّاء الكلفة المتزايدة لهذا المشروع على الموازنة العامة للدولة والتي بلغت حتى الآن ما يزيد على (400) مليون دينار، تشكّل أكثر من خمس عجز الموازنة، وبدأت الحكومة الحالية تفكّر بلملمتها من جيوب الناس من خلال رفع الأسعار الأمر الذي سيقود بالتأكيد إلى تهديد أمن المجتمع وتقويض سلمه الاجتماعي..!! ألم يكن من الأفضل لو سعت وزارة التطوير إلى دراسة ملف الهيكلة دراسة متأنية موضوعية قبل أن يقرر الوزير الخوالدة تنفيذها بعد أقل من (50) يوماً من تربعه على عرش الوزارة في الحكومة الراحلة وإقناع الرئيس بجدواها وأولويتها على سائر الملفات الإصلاحية الأخرى، الأمر الذي انطلى، مع الأسف، على الرئيس السابق، فأُقحِمت حكومته في ملف شائك أوقعها بأزمة استغرقت معظم وقتها وجهدها وهي تسترضي هذه الجهة أو تلك بزيادات وتسويات وتنازلات لم تكن أبداً في الحسبان، حتى طفحت تكلفة الهيلكة بالغة الأربعمائة مليون دينار..!!؟
هل يخبرنا وزير التطوير وأمين عام الديوان كيف يمكن أن يسهم هذا المؤتمر في تطوير نموذج عملي للنهوض بواقع إدارة الوظيفة العامة، وهل بإمكانهما تقديم التجربة الأردنية كنموذج لتطوير الوظيفة في القطاع العام في الوقت الذي جرفت فيه الهيكلة مؤسسات عامة كثيرة إلى حفر البيروقراطية التي تعاني منها الإدارة الحكومية..؟! وهل يملكان من الثقة ما يمكّنهما من استعراض التجربة الأردنية كإحدى النتائج الناجحة في إدارة موارد الدولة البشرية في ظل بيئة متجددة..!!!؟
وهل يملك وزير التطوير إبلاغ المشاركين في المؤتمر بأن مشروع هيكلة القطاع العام الأردني لم يقرأ أبجديات الإصلاح والتطوير الإداري جيداً، كونه لم يميّز بين مجموعة الإدارة العامة أو الخدمة المدنية متمثلة في الوزارات والدوائر الحكومية، وبين مجموعة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على إدارة مرافق عامة مهمة، والتي لا تستطيع محركاتها أن تعمل بكفاءة ما لم تحظَ باستقلالية إدارية ومالية وتُدار وفقاً لمبادىء المحاسبة الاقتصادية المعروفة، وبالتالي فإن الهيكلة أغفلت دور بعض المؤسسات المستقلة في التنمية والاقتصاد الوطني، وشلّت عملها، خصوصاً وأنها ضَرَبَت بعرض الحائط التطورات التشريعية والعلمية الاقتصادية والاجتماعية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي المعمول بها في إدارة أنواع معينة من المؤسسات والمرافق المهمة في الدولة..!!!؟؟
لكن الوزير لا يملك أن يخبرنا ويخبر المؤتمرين أصلاً بجدوى وجود وزارة تطوير قطاع عام في الوقت الذي لدينا ديوان للخدمة المدنية، فإما الوزارة أو الديوان، وإما أن يتبع الديوان للوزارة مباشرة وليس برئيس الوزراء، لأن عمل الديوان هو الأساس في تنظيم الوظيفة العامة والموارد البشرية في القطاع العام، وإما تُلغى الوزارة، فما جدوى استحداث وزارة اسمها وزارة تطوير القطاع العام في ظل وجود الديوان..!!؟؟ ولماذا لا يسعى وزير التطوير نفسه إلى هيكلة وزارته ودمجها مع ديوان الخدمة المدنية أو دمج الديوان معها..!!؟؟ وإنني لأميل إلى الاقتراح الأول، فلا ضرورة حقيقية لوجود وزارة للتطوير إذا كان ديوان الخدمة المدنية يقوم بالمهمة، وهو ما كان عليه الأمر لعقود طويلة سابقة، وكانت الوظيفة العامة خلالها أحسن حالاً مما هي عليه اليوم من كافة الأوجه..!!! بل عليه أيضاً أن يقدّم وجهة نظر علمية في هيكلة الحكومة نفسها التي ينتمي إليها، والحكومة السابقة التي كان أحد أعضائها، فالأُولى ضمّت وزارة غير شرعية هي وزارة الشباب ولم يكن لها قانون، والحكومة الحالية ضمّت وزارات بلا عمل حقيقي ومنها وزارة شؤون المرأة.. فأين هو من هيكلة الحكومتين وماذا فعل..!!؟؟
في جعبتي الكثير مما أقوله في هذا الملف، ولو قُدر لي أن أقدّم ورقة عمل تحليلية لأفضت وأمْتعت المشاركين بنهكهات وتجليات وتداعيات التجربة الأردنية الحديثة في الإصلاح الإداري والهيكلة التي قادها الوزير خليف الخوالدة ببراعة الخبير في خلق الأزمات وساعده في مهمته أمين عام ديوان الخدمة المدنية.. وهرب منها، غانماً، رئيس الديوان السابق هيثم حجازي..!! حقاّ إننا نعيش حقبة زاهرة لخدمة مدنية أردنية تملك كل مقوّمات الإبداع في بيئة متجددة بالكامل..!! وأنصح الخمسة عشر دولة عربية المشاركة في المؤتمر أن تنهل من معين التجربة الأردنية شريطة أن تكون مؤهلة للتعايش مع أزمات إدارية خانقة في قطاعاتها العامة، وقادرة على التعامل معها إما بالقمع والتهديدات كما فعلت الحكومة الراحلة مع موظفي الضمان الاجتماعي، وإما بالإرضاء والتنازلات كما فعلت مع بقية القطاعات..!!
أما الدرس المستخلص في قصتنا مع الهيكلة الأردنية، فيمكن وضعه أمام وزراء الخدمة المدنية العرب بعبارة واحدة: ( ثمّة صرخة تأتي بتوأمين، وثمّة صرخة تأتي بخُفّيْ حُنَيْن..)..!