خواطرمهمة في ذكرى فلسطين المسلمة
إن فلسطين لها المنزلة العظمى عند المسلمين؛ فهي الأرض المباركة مهاجر الأنبياء ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِين﴾ [الأنبياء: 71[، ومسرى إمام الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1[.
فلسطين بالنسبة للمسلمين وطن يعيش في عقيدتهم ومنهجهم، ويسكن في أنفسهم، وإن كانوا لا يعيشون فيه، ولا يسكنون فوق أرضه، ولذلك كلما مرت ذكرى نكبة، أو جاءت مناسبة نكسة هبت رياح الشوق؛ لتحرك أفئدة من الناس تهوى إليها.
وقد اختلفت آراء العاملين لتحريرها،والقائمين على قضيتها، في طريق الوصول إلى حلّ دائم؛ فكانوا طرائق قدداً، وذلك لتباين مناهجهم، واختلاف مقاصدهم .وذلك لأن كثيراً ممن يتحركون لها ويضحون من أجلها لا يفهمونها حق الفهم.
ولما كانت أول خطوة للعمل هي الفهم؛ فها نحن أولاء نرسم اتجاه البوصلة القاصد على خارطة التوجهات المختلفة والآراء المضطربة.
الأرض لله يورثها من يشاء ويستخلف فيها من شاء ممن يمكن لدينه، ويحقق منهجه، ويقيم عبوديته كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِين﴾ [الأنبياء: 105و106]، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: 137]، وقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾ [النور: 55[.
فإن قيل: ها هي فلسطين احتلها اليهود وهم يحاربون دين الله، ويفسدون منهجه، ويقتلون أولياءه؟!
فالجواب: عندما تولى المسلمون جاء الله بهؤلاء المغضوب عليهم لنذوق على أيديهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلنا نعود إلى الله، ونرجع إلى ديننا المصفى؛ ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون﴾ [السجدة: 21و22[
فهل نعود إلى الله ونرجع إلى ديننا؛ ليرفع الله الذل عنا، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»(1(
لذلك لا بد من إعادة قضية فلسطين بكل أبعادها إلى المربع الأول؛ وهو المربع الإسلامي؛ لأنها بلاد المسلمين، وتحريرها مسؤوليتهم جميعاً؛ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1].
وفلسطين أرض فتحها المسلمون الأوائل وحكموها؛ فهي بلاد إسلامية فلا يجوز أن نبدلها أو نغيرها أو نتنازل عنها؛ لأن فقهاء الإسلام على مر العصور أجمعوا أنها كذلك.
واليهود ينطلقون في احتلالهم لفلسطين من مرجعية دينية، وحسبك برهان على ذلك أنهم لا يزالون ينادون بيهودية الدولة، ويدندنون حول ذلك في حلهم وترحالهم، ويحشدون لذلك اليوم الموعود دعم كل أحلافهم وأنصارهم في جميع المحافل الدولية.
ولن نكون لهم بالمرصاد إلا إذا أعدنا فلسطين إلى دائرة الإسلام وطوقناها أمانة في أعناق المسلمين؛ لأن الذي فتحها هم المسلمون والذين حرروها هم المسلمون فلا يجوز أن يضيعوها!
قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في مجلة «البصائر» (عدد 22 سنة 1948م): "إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون ".
قال شيخنا ابن باز رحمه الله: "القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهودا جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي، وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية لا شأن لغير العرب بها، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك، ولذا فإنني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاءوا منها، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم تحت حكم الإسلام، لا حكماً شيوعياً ولا العلمانية، وبذلك ينتصر الحق، ويخذل الباطل، ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام لا على حكم غيره ".
ومن أجل ذلك ينبغي المحافظة على وحدة فلسطين التاريخية، فتضييع ذرة منها طريق إلى التخلي عنها كلها، أو عرضها للمساومة في عالم المفاوضات، وبيعها بثمن بخس في دنيا التنازلات.
وهي من حيث الواقع وحدة لا تتجزأ، وأعداؤنا ليس عندهم استعداد للتنازل عن شيء منها ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 53[.
ومما يؤيد ذلك ويؤكده؛ أن ما نراه هو أماني وغرور وما نسمعه وعود كلها شرور؛ لكسب الوقت، وتضييع القضية، وتمييع المسألة ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ ]النساء:119و120[
وحتى يتحقق ذلك على وجهه الأكمل، فلا بد من إعادة توحيد الأمة الإسلامية الواحدة وبناء إتحادها؛ ففلسطين لم تضع من أيدينا في يوم من الأيام إلا عندما فكك أعداؤنا بلادنا، وقسموا أمتنا، فعندما جاء زعيم الصهيونية العالمية هرتزل، وعرض المليارات الذهبية على السلطان عبد الحميد الأول من أجل أن يمنحهم فلسطين، ويخون المسلمين؛ قال له السلطان: "إن فلسطين ليست ملك يميني؛ بل ملك المسلمين، وإذا مزقت دولة الإسلام يوماً؛ فإنكم تستطيعون آنذاك أن تأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حي، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الإسلام. من الممكن أن تقطع أجسادنا ميتة، وليس من الممكن أن تشرح ونحن على قيد الحياة "(2).
ولقد تفطن السلطان عبد الحميد الثاني إلى خطة اليهود الصهاينة؛ فأصدر قانوناً عام (1890م) بتحريم بيع الأراضي في فلسطين لليهود وظل هذا القانون معمولاً به حتى عام (1909م) عندما قام حزب الاتحاد والترقي المؤيد باليهود بخلع السلطان عبد الحميد، ومن ثم سمحوا لليهود بالتملك في فلسطين بشراء الأراضي. فقام العلماء في وجه ذلك فأصدروا الفتاوى في تحريم بيع الأراضي لليهود(3).
ولم يتمكن أعداؤنا من فلسطين في يوم من الأيام إلا بعد تمزيقهم لدولة الإسلام؛ فأصبحنا متفرقين. فعندما احتل الصليبيون القدس كان العالم الإسلامي إقطاعيات متناثرة متنابذة بوجود (دويلات الأتابكة)، فلما اجتاح الصليبيون المشرق الإسلامي تساقطت تلك الإمارات مثل خرزات منظومات، حتى داهموا بيت المقدس (492 هـ)؛ فاستباحوها، وجعلوا الأقصى مربطاً لخيولهم، ومرتعاً لخنازيرهم.
وفي ظل هذا المناخ فشلت كل محاولات المقاومة التي اعتمدت على الفردية أو الحزبية أو الشعبية، ولم تستطع وقف الزحف الصليبي أو كسر مَدِّه، حتى جاء آل زنكي الكرام وبدأوا إعادة وحدة الأمة، وتدعيم أركان اتحادها، وتجديد عقيدة التوحيد فيها، وورثهم صلاح الدين؛ فجمع الأقطارالمتفرقة، ووحد الأمة المتنازعة، عندئذ جعل الله فتح بيت المقدس على يديه سهلاًميسوراً، ونصره نصراً عزيزاً مبيناً.
ولن نستطيع بناء الأمة الواحدة إلا بإيقاف معاول الهدم؛ وذلك بالحذر من خطر الرافضة والمد الشيعي؛ لأنهم رأس الحربة اليهودية الصليبية في ديار المسلمين.
وليتذكر المسلمون أن صلاح الدين قبل حربه للصليبيين وفتحه للقدس أنهى الوجود الرافضي، وقضى على الخطر الشيعي، واجتث الدولة العبيدية التي تسمى زوراً وبهتاناً (الفاطمية) من الوجود.
وليتذكر المسلمون أن الروافض حاولوا الفتك بصلاح الدين، وكاتبوا الصليبيين، واستعانوا بهم على ذلك؛ لكن الله أبطل كيدهم، ورد مكرهم(4).
وليتذكر المسلمون أن هولاكو خان لم يدخل بغداد إلا وفي مقدمة جيوشه رأس الروافض خوجه نصير الدين الطوسي ووزيرهم الأول ابن العلقمي(5).
وليتذكر المسلمون أن الأمريكان لم يدخلوا بغداد إلا وخيول الروافض تجر دباباتهم، وأحفاد أبي رغال في مقدمتهم.
واقرأ -إن شئت- ما كتبه رامسفلد وزيرالدفاع الأمريكي الأسبق في مذكراته: "إن علاقة قديمة قامت بينه وبين السيستاني ترجع إلى عام (1987م) أثناء إعداد السيستاني لتسلم مهام المرجعية بعد الخوئي.
وأن اتصالات تمت بينهما عن طريق وكيله في الكويت جواد المهري، وأنه قدم هدية لأصدقائه في العراق وعلى رأسهم السيستاني قدرها (200 مليون دولار)، وبعد قبول السيستاني للهدية أخذت علاقاتنا معه تتسع أكثر فأكثر، وبعد أن علم الرئيس (جورج بوش) بتسلم السيستاني للهدية، قرر فتح مكتب في (وكالة المخابرات المركزية) وسمي: (مكتب العلاقات مع السيستاني) ... وكان من ثمار هذا العمل المتبادل صدور (فتوى) من السيستاني بأن يلزم الشيعة وأتباعه بعدم التعرض لقوات التحالف التي دخلت للحدود ..وكان لهذه (الفتوى) الفضل الكثير فيتجنب قوات التحالف خسائر جسيمة ".
وعندئذٍ يعلم المسلمون حق اليقين حقيقة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من قبل بقرون عديدة: "... وكذلك إذا صار لليهود دولة بـالعراق وغيره، تكون الرافضة من أعظم أعوانهم، فهم دائماً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم»(6).
وكذلك لا بد من العمل الحثيث على تحطيم قوة اليهود المادية والمعنوية على المستوى العالمي، ولا يكون ذلك إلا بمعرفةعناصر وجودهم، ومقومات قوتهم.
وقد فصل ربنا ذلك تفصيلاً حسناً؛ فبيّن لنا أن اليهود ليس لهم حصانة ذاتية؛ ولا عزة في أنفسهم. لقد فقدوا حصانتهم عندما حرّفوا دينهم، وكذبوا على ربهم، وأبطلوا منهج الله في كتابهم.
وذهبت العزة عنهم عندما أخلدوا على الأرض، وأصبحوا أحرص الناس على حياة ولو تحت قمع الاستبداد ونير الاستبعاد! فلذلك غضب الله عليهم، ولعنهم، وضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا.
ولن يكون لهم وجود أو يحصل لهم تأثير إلا بأمرين ذكرهما الله -عز وجل-: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون﴾ [آل عمران: 112[.
وحبل الله؛ هو: عهده وذمته؛ أي: إذا دخلوا تحت ذمّة دين الله؛ ليحميهم، ويرعاهم، ويكون لهم عهد. وأما حبل من الناس فدخولهم في منعة قوم آخرين بالتحالفات والمعاهدات.
قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في «تفسيره»: "(وحبل من الناس)؛ أي: إذا كانوا تحت ولاية غيرهم ونظارتهم؛ كما شوهد حالهم سابقاً ولاحقاً؛ فإنهم لم يتمكنوا في هذا الوقت من الملك المؤقت في فلسطين إلا بنصر الدول وتمهيدهم لهم كل سبب ".
وقال شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-: "وقد ذكر الله تعالى: أنهم ضربت عليهم الذلة أينما ثقوا إلا بحبل من الله؛ وهو الإسلام، أو بحبل من الناس وهو المساعدات الخارجية. والشاهد الآن أن اليهود أعزاء بما يساعدهم إخوانهم النصارى ".
وقال أيضاً: "والحبل من الناس: أن يمدهم الناس غير اليهود بما يمدونهم به، فاليهود الموجودون الآن في حبلٍ من الناس يمدهم، وهم النصارى في كل مكان، يمدونهم؛ لأن الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة: 51[، وهذا خبر، والخبر من الله لا يُخلف، النصارى تمدهم من جميع أقطار الدنيا، إما علناً وإما سرّاً، وإما مباشراً أو غير مباشر ".
ونحن لا نشك لحظة: أن حبل الله انقطع عنهم لفسادهم في الأرض وعلوهم على عباد الله؛ فما بقي إلا حبل من الناس، ولذلك لابد من فضح ممارسات الكيان الصهيوني، وتعرية جرائمه، وبيان ما يجري على أيديهم في فلسطين وغيرها؛ لتقف أمم الأرض على خطرهم، وتتنبه لشرهم لينقطع بذلك حبل من الناس عنهم.
قال شيخ مشايخنا العلامة أحمد شاكررحمه الله في «كلمة حق» (ص 198): "ولقد قال الزعيم الخطير صاحب المعالي محمد علي علوبة باشا، بالأمس بالمؤتمر، كلمة خالدة أرجو أن تكون على ذكر منا؛ قال: "وليعلم اليهود أنهم إذا فرحوا اليوم بظفر يستند إلى حراب غيرهم، فإنهم سينهزمون لا محالة يوم تغيب هذه الحراب عنهم، وأحداث الدهر كثيرة، والفرص آتية لا ريب فيها، ومن أنذر فقد أعذر ". وإني أعتقد أن هذه الكلمة مما يلهم الله بعض عباده، فهي عبرة لمن شاء أن يعتبر، وهي نذير لمن شاء أن يتدبر النذر،وأستغفر الله لي ولكم ".
ولن يجد ما تقدم له موطناً في واقع الناس إلا إذا تبنته دولة مسلمة تعرف حق الله عليها وحق الأمة المسلمة، فتقوم بواجبها المنشود نحو فلسطين المسلمة.
وجود هذه الدولة المسلمة أو إيجادها في الواقع يتطلب من المسلمين توحيد الكلمة، وجمع الشمل، وتناسي خلافاتنا واختلافنا بل تصديرها إلى أعدائنا؛ ليعيشوا في قلق وترقب حتى يأتي أمر الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
وليحذر المسلمون من الاستعجال واستبطاء نصر الله الذي يؤدي إلى اليأس والهزيمة النفسية.
وليتذكروا أن الناصر صلاح الدين ما حرر القدس إلا بعد (200 سنة) من الاحتلال الصليبي، فلو استعجل لما بنى جيلاً مسلماً، ولا أعاد وحدة أمة مسلمة، ولو يئس لما حرر شبراً واحداً!!
وقبل ذلك كله وبعده لا بد من تصحيح النية، واستقامة العمل، وتحقيق التوكل على الله؛ فلا كثرة تفيد، ولا استعراض للقوى يزيد، وتأملوا قول الغفور الودود في القرآن المجيد: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين﴾ [التوبة: 25[.
فلو عدنا إلى ديننا، وحققنا توحيدنا، ووحدنا صفوفنا، وجمعنا كلمتنا، وآمنا بأن النصر من عند الله وحده؛ فلن نحتاج –حينئذٍ- لـ (قاعدة) تنتشر منها جنودنا، ولا لـ (حماس) يدفعنا، ولا لـ (فتح) نظنه منا، ولا لـ (حزب) ينصرنا؛ لأن (قاعدتنا) منهج الله، و(حماسنا) الغيرة على دين الله، و(فتحنا ونصرنا) من عند الله، و(حزبنا) هو حزب التوحيد: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ [المجادلة: 22]، والله الموعد.