الدعم والمديونية والفساد

كشف وزير المالية عن حقائق مذهلة ، فاوضح أن عجز الموازنة لن يكون 1027 مليون دينار كما جاء في الموازنة العامة لسنة 2012 بل سيصل إلى 2386 مليون دينار ، وإن رصيد المديونية سيرتفع ليتجاوز في نهاية السنة 17 مليار دينار ، أو 72% من الناتج المحلي الإجمالي ، الذي حدد قانون الدين العام سقفه بنسبة 60%.
وهنا تساءل أحد الحضور عن المسؤولية في تجاوز السقف القانوني ، ولماذا لا يحاسب مرتكب التجاوز. وكان هذا السؤال قد خطر لي قبل أكثر من سنة فسألت أكبر مرجع قانوني في الدولة في ذلك الحين عن عقوبة تجاوز سقف المديونية فقال: إن قانون الدين العام لم يورد أية عقوبة ، ولا عقوبة بدون قانون ، فالمسؤولية أدبية فقط!.
من هم المسؤولون عن تضخم المديونية إلى هذا الحد الخطر؟ الجواب أن كل من يؤيد الدعم الاستهلاكي أو يدافع عنه أو يقاوم إصلاحه مسؤول ، لأن الدعم يحتاج لتمويل لا تسمح به موارد الموازنة العادية ، فلا بد من الاقتراض. المديونية والدعم وجهان لحقيقة واحدة ، وليس من حق أحد أن يعترض على المديونية إذا كان يؤيد استمرار الدعم الشامل في حدود 4ر2 مليار دينار سنوياً.
وهنا نأتي إلى مقولة شائعة حول استرداد أموال الفساد علاجاً للوضع ، بحيث يمكن أن يستمر الدعم بدون حاجة للاقتراض. لكن الفساد ليس نبعأً للمال لا ينضب ، وليس مصدراً لتمويل الخزينة وسد عجز موازنة هذه السنة والسنوات القادمة.
في مسألة الكازينو مثلاً ليس هناك دينار واحد تم دفعـه ويمكن استرداده ، فالمشروع بدأ وانتهى على الورق دون قبض أو دفع. وفي قضية الفوسفات فإن أي استرجاع للاموال المنهوبة يعود للشركة وليس للخزينة ، وسيمكنها من توزيع المزيد من الأرباح على المساهمين. وفي موضوع الموارد فإن استرداد المال المنهوب يعود للشركة أيضاً ويمكنها من تسديد جانب من ديونها والتزاماتها المستحقة. وفي مسألة غسيل الاموال لا علاقة للمال العام بالموضوع ، فهي عملية متاجرة وهمية هدفها استلام أموال أجنبية ثم ردها للخارج بعد سلسلة من المعاملات الوهمية بقصد إخفاء مصدرها الحقيقي غير المشروع فتصبح أموالاً نظيفة. وهي تخالف القانون ولكنها لا تتعلق بالمال العام ولا يوجد ما يمكن استرداده.
استرداد الأموال المنهوبة مطلوب حتى لو كان في الموازنة فائض ، ولا يجوز استخدامه حجة لمنع الحكومة من تصويب الأوضاع الشاذة. ( الرأي )