المطففات العلمانيات

لقد دأبت بعض من تحملن أو تحُمّلن لقب الكاتبات أو المفكرات تجاوزا على اتخاذ الهجوم على الدين مادة أساسية لكتاباتهن، وهن يلقين رواجا وتشجيعا من المؤسسات الغربية التي تغدق عليهن الدرجات الأكاديمية والألقاب والجوائز والمساعدات نكاية في الإسلام ومجتمعاته واصطناعا لأبواق يراد لها أن تضرب الإسلام من الداخل، حتى يكون أثرها أشد نكاية وإيلاما، فهؤلاء هن بنات الإسلام وسيتصور العالم أنهن يتحدثن من البيت الداخلي وهن شاهدات من أهله، ولسن غربيات ولا مستشرقات قد يتوجس المرء منهن خيفة بمجرد قراءة الأسم!
ويبدو أنّ لكل بلد عربي كاتباته اللواتي ينصبن أنفسهن محاميات عن حقوق المرأة ويلقبن أنفسهن بالنسويات feminists، على اعتبار أنّ حقوق المرأة في الإسلام مهضومة، وهي ضلع أعوج وناقصة عقل ودين، والدين يأمرها أن تسجد لزوجها وتلعق بصاقه،..الخ من الشواهد اللواتي يحفظنها ويقتبسنها خارج السياق والفهم للنصوص ودلالاتها وتخريج صحيحها من ضعيفها لمزيد من تجريح الإسلام وإثبات عدم صلاحيته للتشريع في الحياة العامة والمطالبة بحصره في المساجد!
ويكاد الحجاب يكون على رأس أولوياتهن الهجومية باعتباره ينتقص من حرية المرأة، وهو مصطلح فضفاض قد يصل إلى المطالبة بحريتها في بيع جسدها، وهو لا يتناسب مع روح العصر، بل هو استعباد للمرأة وتضييق عليها وتغطية لعقلها، ولائحة الاتهام تطول وتزيد حتى تصل إلى تفسير القرآن والسنّة والادّعاء بأنّ الحجاب كان حال خاصة بنساء الرسول وليس للمسلمات عامة! فالمساواة تقتضي عدم التفريق بين الجنسين، والمرأة ليست عورة، والحل أن تخلع الحجاب، فالرجل ليس محجبا أو أن يتحجب الرجال كذلك، وقد بلغ الاستهزاء بإحداهن أن قالت أنّ رجال الخليج أفضل الرجال فهم أيضا محجبون، في إشارة إلى الحطة أو الشماغ الذي يلبسه رجال الخليج كجزء من الزي التقليدي!
ولم ينج الأردن من غلاة العلمانيات النسويات اللواتي يتشدّقن بالحرية المفصّلة على مقاسهن وأهوائهن، ولكن إذا وصلت الحرية إلى الإسلام والإسلاميين فهناك ينقلبن على أعقابهن ويشحذن أقلامهن للهجوم والانقضاض ضمن الدور المرسوم والمناط بهن، فالديمقراطية هي أعظم ما يجللن، ولكنها إذا أوصلت الإسلاميين إلى السلطة تصبح استبدادا وإرهابا، ويصبح الانقلاب عليها مسوغا باسم الحفاظ على الحرية!
وها هي إحدى الكاتبات المقرون اسمها بالهجوم على الدين والإسلاميين تكتب عن حرية النساء في التعري في مقال لها بعنوان الاحتجاج بالتعري http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/27603/%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A.html
والتي دافعت فيه عن الشابة المصرية التي صوّرت ونشرت صورتها عارية على الإنترنت للاحتجاج على ما سمته الانحراف عن مسار الثورة، ودافعت الكاتبة عن التعري باعتباره وسيلة عالمية في الاحتجاج لها مشاهيرها، وهذه الكاتبة نفسها هي التي انتقدت وبشدة مسيرة الحجاب في مقالها بعنوان مسيرة لنشر الحجاب http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/29373/%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D9%87-%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%A8.html
ضمن أسبوع أنت ملكة الذي أقامته كلية الشريعة في الجامعة الأردنية للاحتفال بالحجاب وبيان فضائله بالحكمة والموعظة الحسنة، واعتبرتها جزءا من الإرهاب الفكري والديني ضد الأخريات من غير المحجبات، مع أننا لم نسمع أنّ المشاركين حملوا أسلحة أو فرضوا الحجاب على الفتيات غصبا، بل كانت الابتسامة والبِشر يعلو وجوه جميع المشاركين، والمشهد كان وحده كفيلا باجتذاب المارة ولو من باب الفضول.
قيمة الحرية وحرية الاعتقاد والتظاهر السلمي لا يبدو أنّها تنطبق في نظر الكاتبة على الإسلاميين، بل أعظم سوءات الربيع العربي برأيها أنّه أوصل مثل هؤلاء المتطرفين لكي ينشروا بضاعتهم للناس!
لا بأس أن يكون هناك مسيرات للعراة والشواذ، وحتى لمن يتناولون الحشيش في دول العالم المتقدم والحرية التي تتبنّاها عرّابات العلمانية في بلادنا، ولكن للأخلاق والفضيلة فهذا ما لا يمكن قبوله أو تحمّله، وهذه ليست حرية ويجب نعتها بكافة الأوصاف القبيحة التي تضمن نفور الناس منها، وكأن الحرية وتعريفها لعبة يقلبنها كيف شئن!
أُطمئن الكاتبة تماماً، ففي حال لو وصل الإسلاميون إلى السلطة في الأردن، وليس في الأفق بوادر مع لفظ الإصلاح لأنفاسه الأخيرة، فلا أظن أنّهم سيحجبوها لا هي ولا غيرها، ذلك أنّ امرأة لا تؤمن بشريعة الله ولا تستجيب لنداء خالقها قبل قوانين البشر، فُرضت أو غابت، ولا تراها الأفضل والأصلح لها، بل وتقولب وتفسّر الأحكام على مقاسها، لن تزيد في الإسلام خردلة، فهذا الدين لا يبرز رسالته السمحاء التي جاءت رحمة للعالمين سوى نساء يرين الحجاب فريضة وعبادة وهوية وحياة ورسالة، لا مجرد خرقة وغطاء رأس.
ولعلها تكون آخر مرة نردّ على هؤلاء المطففات اللواتي يكلن بمكاييل مختلفة ويرين لأنفسهن حقوقا لا يرينها لغيرهن، ولعلنا نجد في كلام المنفلوطي الذي خبر بثقافته الغربية من خلال الترجمات مثل هؤلاء، واستغرب منهن ومن أمثالهن من الرجال، فقال: لماذا هذا الولع بقصة المرأة والقيام والقعود بأمرها وأمر حجابها وسفورها وحريتها وأسرها، وكأنما قد قمتم بكل واجب للأمة عليكم فلم يبقَ إلاّ أن تقوموا بهذا الواجب؟! ما شكت المرأة إليكم ظلما فما دخولكم بينها وبين نفسها؟! إنّكم لا تبكون عليها، بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوّها تبرجا وسفورا ويتدفق خلاعة واستهتارا وتودون لو ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه.
لقد رأينا من حررت جسدها في الغرب تكون أستاذة في أول النهار وأشبه ببائعة الهوى بعد الدوام، تبحث عمّن يتلقّف يدها ويسدّ جوعتها إلى حياة طبيعية تحترم إنسانيتها ومشاعرها، أمثلة لا نريد أن نكررها في بلادنا وعلى بناتنا. ( السبيل )