ليبيا من التصحر السياسي إلى زراعة الأحزاب

أتيح لي ان التقي رجل ليبيا القوي الدكتور محمود جبريل والذي كان شغل منصباً عالياً في المجلس الوطني الانتقالي الليبي..
(الرئيس التنفيذي) قبل أن يستقيل منه على خلفية احتفظ بتفاصيلها ولكنه كان فيها صاحب رؤية استقلالية وطنية لقد أفاده كثيراً انه لم يستمر في قيادة المجلس الانتقالي حين رأى انه يفتقر الى القوة الكافية والروافع المتجانسة وهيمنة بعض القوى التي تدفع الى التبعية..وها هو يعود ليدخل المنافسة بالتنظيم والأسلوب الديموقراطي..
الدكتور جبريل عمد الى اعادة انتاج وتنظيم القوى السياسية والاجتماعية الجديدة في الشارع الليبي والتي فتحت ثورة فبراير شباط لها الأفق فكانت محصلة جهوده أن جمع اكثر من (62) حزباً جديداً ومنظمة مجتمع مدني في اطار تحالف القوى الوطنية لخوض انتخابات المؤتمر العام الذي أصبح على الأبواب..
وصلنا من عمان..كنت أرافق كمراقب قيادة حزب الاتحاد الوطني الأردني الذي اجترح اسلوباً جديداً في الحوار مع قوى حزبية عربية جديدة ناشئة تتجانس معه في تأكيد الفكرة الوطنية وتعظيمها والعمل من خلالها أمام تحديات الاحزاب العابرة للحدود أو تلك التي تطرح طروحات تقليدية أو ترى ان الاسلام هو الحل دون ان تقول كيف يكون ذلك ببرامج..
طروحات (تحالف القوى الوطنية) الليبي لها سمات برامجية وتسعى لتعظيم منجزاتها من خلال التنمية وحقوق الانسان واشراك المرأة بصورة عملية وواقعية وفاعلة..
كانت المداخلة التي استمعنا فيها لسمات مشتركة بين الحزبين ورغبتهما في بناء جبهات وطنية كل في بلده قد قدمها رئيس حزب الاتحاد الوطني الاردني محمد الخشمان الذي أراد ان يستمع الليبيون في تحالف القوى الوطنية للعمل الحزبي الاردني وتحدياته وبرامجه خاصة وان الاحزاب الناشئة بحاجة الى تدعيم تجربتها ومن هنا كان احتفاء الليبيين بالتجربة الاردنية في هذا المجال وهو ما عكسته الاسئلة التي اثيرت وخاصة سؤال ممثلة تحالف القوى الوطنية الليبية في اللقاء وهي سيدة ارادت ان تقارن التحديات التي تواجه المرأة الليبية بتلك التي تواجه الأردنية سائلة كيف استطعتم ان توظفوا طاقات المرأة في العمل الحزبي وأين وصلتم في ذلك؟..
مداخلة الدكتور جبريل كانت واضحة وعملية تعكس خبرة الرجل السياسية حين قال لهم ليس المهم أن تحشد الناس وان تجمعهم ولكن في كيف تديرهم وتقدم لهم البرامج والمهمات العملية لينفذوها بعيداً عن الارتجال وأسلوب الفزعة خاصة في بلدان ما زال الوعي الحزبي فيها ليس ناضجاً..
استمعنا لتجربة (تحالف القوى الوطنية) الليبي فالاحزاب والمنظمات المنخرطة في هذا التحالف تدخل الانتخابات ككتلة واحدة..واي نجاح لأي مرشح من أي حزب في التجمع هو مرشح الجميع وتسقط عنه صفته الحزبية وهذه الطريقة من التنظيم تضمن الوصول الى البرلمان بالتعاون ولذا فإن ادارة التحالف كما يرى جبريل هي الأكثر صعوبة بكثير من تشكيله..وقد شبه ذلك بقوله ان المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله وهو يتتبع التجربة الليبية الملكية منذ الملك ادريس قبل عام 1969
تجربة حزب الاتحاد الوطني الاردني في المناسبة قدمت كاطار يجمع أربعة احزاب أردنية هي حزب التيار الوطني وحزب الرسالة والوطني الدستوري اضافة الى الاتحاد الوطني وهذه التجربة جديدة وعملية وتلتقي في الفكرة البرامجية مع كيفية عمل تحالف القوى الوطنية الليبي..خاصة وان هذه التجربة الاردنية تنهض من بين (22) حزب أردني ما زالت تتلمس طريقها امام تحد يمثله حزب جبهة العمل الاسلامي الذي يتفرد بالساحة لخبراته الطويلة..
تحالف القوى الوطنية الليبي يفسح المجال «للمناطقية» وهو لا يريد أن يسميها القبلية او العشائرية كما يرى جبريل ويتلاقى مع حزب الاتحاد الوطني الاردني كما يقول في اهتمامه او البعد العشائري في الأطراف وخارج العاصمة حيث الامتداد الجغرافي الواسع..
التجربة الحزبية الليبية تواجه تحديات قاسية فالبلاد تنتقل من مرحلة التصحر السياسي الى زرع السياسة في أرض بكر وهذا يحتاج الى اختبارات وعناية وتكيف..
لفت انتباهي ريادية فكرة التقاء احزاب أردنية مع ليبية شبيهة في البرامج وهذا الحوار يوسع دوائر الاهتمامات العربية ولا يجعل اللقاءات العربية لقاءات عمودية على مستوى الانظمة وانما افقية على مستوى الاحزاب والشعوب وهذه من ثمار الربيع العربي وانفتاحه لادراك الناس بقيمة الحرية والكرامة في معركة المصير العربي المشترك الذي لا ينفع فيه استمرار الصراخ وانما واجب التنظيم خاصة وان تقديم الاسلام على شكل شعارات دون برامج تنموية محددة يسيء للاسلام حين تفشل الشعارات.. ( الرأي )