بيع صخور "البترا" في مئويتها الثانية!

الاحتفالات التي تقام حالياً بمناسبة حلول الذكرى المئوية الثانية لاعادة اكتشاف مدينة البترا الوردية في العام 1812م, نفترض ان تكون محطة مراجعة لمختلف الاشكالات التي يواجهها الموقع الاثري الاردني الاهم الذي حظي قبل حوالي خمس سنوات بادراجه ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة وفي المرتبة الثانية بعد سور الصين العظيم, فما زالت التحديات تفرض نفسها على هذا المعلم الحضاري النبطي من كل اتجاه مما يعيق بالتالي حضوره وألقه على خارطة السياحة العالمية, وتعترض القدرة على تسويق ارثه المعماري الذي نحت في قلب الصخر تعابير خالدة من الفن الانساني على مر الزمان وعصوره الغابرة.
لا بد من الاعتراف بأن المزيد من الشهرة الدولية التي اكتسبتها البترا خلال السنوات الاخيرة لم تنعكس كما يجب على زيادة الافواج القادمة اليها وتطوير حملات الترويج التي تقدمها الى العالم اسوة بغيرها من روائع التراث الحضاري, بل ان مشكلاتها تزداد تعقيداً في كثير من الاحيان دون التوصل الى حلول خلاقة, تتجاوز الواقع الراهن نحو الانطلاق الارحب الذي يستحقه معلم اثري فريد.
ما يصل الى حد الصدمة ان يتم عرض قطع من صخور البترا هذه الايام من اجل بيعها على السياح الذين يزورونها, وتصيبهم الدهشة والانفعال أيضاً حينما يعرض عليهم بعض الصبية والكبار شراء كل "ثلاثة أحجار بدينار أو حتى دولار"من اكوام متناثرة على جنبات الطرق الاثرية, مما يمثل ظاهرة مؤسفة تشير الى مدى الاهمال الذي وصلت اليه الامور في حماية كنز اثري قل نظيره, خاصة عندما تتم هذه العملية جهاراً نهاراً وتحت سمع وبصر من يتولون مسؤولية منع المتاجرة بأية قطعة أثرية مهما كانت قيمتها.
الاخطر في رواج مثل هذه التجارة غير المشروعة ان القائمين عليها لا يكتفون بجمع ما تصل اليه ايديهم في غياب اية رقابة فاعلة من قطع صخرية متناثرة هنا وهناك, حيث تطورت ممارساتهم العبثية الى كسر الحجارة الملونة على شكل قطع صغيرة بعد اقتلاعها من الكهوف وبعض الواجهات الاثرية على الرغم من اعتبارها إرثاً حضارياً, تنص القوانين ذات العلاقة على حظر المتاجرة بها بأي شكل من الاشكال, حيث بينت الدراسة العلمية التي اجرتها كلية الآثار بجامعة الحسين بن طلال عام 2010م ان اقتلاع الحجارة الملونة من داخل الكهوف وأسطح الواجهات لغاية بيعها الى السياح, تعتبر من تحديات العامل الانساني الذي تواجهه المدينة التي تمثل جوهرة السياحة الاردنية.
يأتي ذلك في خضم معاناة الفعاليات السياحية من عدم قدرة مفوضية سلطة اقليم البترا التنموي السياحي على اداء الدور المناط بها وتفعيل قانونها بما يخرج بهذا الموقع الاثري البالغ الاهمية من مشكلاته المزمنة, وقد وصل الامر الى اتهام سلطة المفوضية بالانحراف عن الغابات التي تم تأسيسها من أجلها, مع غياب الانسجام بين فريق مجلس المفوضين الذي برزت خلافاته الى العامة وتقسيم المجتمع المحلي بين مؤيد ومعارض ومتدخل في رأب الصدع.. في الوقت الذي تباع فيه صخور البترا على قارعة الطرق خلال الاحتفاء بالمئوية الثانية على اكتشافها! ( العرب اليوم )